لم تكفِ الوالد «السرقة الظاهرة في أسعار المأكولات والمشروبات» حتّى عاد إليه ابنه طالباً 500 ليرة إضافية ليدفع ثمن زجاجة المياه التي يبلغ سعرها 5500 ليرة. «الفرق طلبته الموظّفة لجيبها لترفع السعر إلى 6 آلاف ليرة»... تحدّث الوالد عن صدمته من الأسعار والاحتيال في تعليق أورده في المجال الإلكتروني الخاص بالمنتجع (على إحدى صفحات الإنترنت)، الذي كان يُفترض أن يُمضي وقتاً نوعياً فيه، شأنه في ذلك شأن كثيرين ممن يشكون تارة من الأسعار الملتهبة والمواربة، وطوراً من تدنّي مستوى الخدمات في منتجعات ومسابح افترضوا في الأساس أنّها «فخمة».وبقدر ما هو مهمّ الفارق بين السعر المعلن والسعر السائد لمرتادي الشواطئ والمنتجعات المنتشرة على الساحل اللبناني، يبقى الأهمّ أساس السعر. ففي الفترة الأخيرة، يُرصد بين محبّي الشاطئ والمسابح والنشاطات الصيفيّة عموماً، امتعاضٌ من الأسعار المرتفعة التي يصفها البعض بأنّها خياليّة.
والحديث عن الأسعار هنا يبدأ من كلفة الدخول إلى المسابح (Entrance Fee)، إلى كلفة استئجار غرفة او «شاليه» في المنتجع (Chalet Rent) مروراً بكلفة المنتجات المختلفة التي يشتريها المرء خلال تمضية نهار على الشاطئ (هل يُمكن قضاء نهار تحت الشمس من دون شرب المياه؟!)
فمثال الصبي العطشان، يتكرّر في جميع الأوقات وفي معظم المنتجعات؛ لتبدو الضروريّات بسعر الذهب.
بيد أنّ ما يُلحظ أكثر، من حيث ارتفاع الأسعار، هو كلفة استئجار غرفة في أحد المنتجعات، ففيما ينتشر تذمّر عام من ارتفاع أكلاف استئجار غرفة (Chalet) لليلة واحدة، اتصلت «الأخبار» بأحد المنتجعات الفخمة، لتتحقّق من الأسعار، فتبيّن أنّ كلفة المبيت في كوخ (Bangalow) يتسع لأربعة أشخاص، لليلة واحدة عند شاطئ هذا المنتجع تصل إلى 550 دولاراً، لنهاية الأسبوع؛ مع العلم أنّ عرض يوم الجمعة مثلاً تصل كلفته إلى 475 دولاراً، ولا يخوّلك العرض ارتياد المسبح سوى حتّى ظهيرة اليوم التالي، أي السبت «حيث يكون الطلب كثيفاً جداً خلال هذا اليوم» يقول الموظّف المعني المهذّب.
وفي هذا المنتجع نفسه، تبلغ كلفة الدخول 28 ألف ليرة، وهذا السعر، إذ يبدو مرتفعاً إلى حدّ ما، غير أنّه يبقى أرحم من بعض المنتجعات حيث يصل السعر إلى 45 ألف ليرة (30 دولاراً).
وترواح الأسعار إجمالاً بين الحدّين المذكورين، مع العلم أنّ هناك مسابح متوسّطة جيّدة إجمالاً، بحسب روادها الدائمين، تضع كلفة الدخول عند 18 ألف ليرة، إضافة طبعاً إلى «المسابح العاديّة التقليديّة» التي تبلغ كلفة الدخول إليها 10دولارات.
ويُخرج النمط السائد من الفخامة والغلاء المنتجعات والمسابح الفخمة الجديدة «من وظيفتها التقليديّة، أي الرياضة والاستجمام، ليتحوّل بعضها إلى ناد ليلي نهاري» بحسب رجل أعمال في القطاع يملك 3 مسابح. طبعاً هو لا يُخفي ضرورة توافر المنتجعات المختلفة في كلّ سوق لتلبية طلبات متعدّدة، غير أنّ «الغلاء الملحوظ يُقارب الجنون؛ إذ كيف يُعقل أن تُباع زجاجة مياه يبلغ سعرها في الدكان 300 ليرة فقط بـ4 آلاف ليرة، والسندويش بـ15 ألف ليرة؛ كيف يُمكن بيع زجاجة الويسكي بـ250 دولاراً، عند البارات المنتشرة في العديد من مسابح المنتجعات الفخمة؟!».
لكن كلّ ذلك يحدث، فكيف تعمل المؤسّسات بهذه الأسعار؟ «الطلب ينبع من حبّ التميّز والاكتشاف لدى اللبنانيين، وتحديداً فئة الشباب، وطبعاً لدى السياح العرب»، يجيب رجل الأعمال نفسه.
نقيب أصحاب المؤسّسات السياحية في لبنان، جان بيروتي، يرى إلى المسألة من منظور آخر: هناك تذمّر مبالغ فيه من جانب المستهلكين في شأن الأسعار المرتفعة؛ فالمسألة يجب مقاربتها أساساً طبقاً لقانون التوازن في الاقتصاد الحرّ: العرض والطلب.
لكن حتّى لدى الاحتكام إلى المنافسة، عبر الخدمات والأسعار، ألا يجب أن يكون هناك عقلنة ما للأسعار؟ يُطرح هذا السؤال بناءً على تعميم أصدرته وزارة السياحة أخيراً أكّدت فيه أنّه «ليس هناك من مبرر اقتصادي لزيادة أسعار الدخول عن العام الماضي». وكذلك «يجب أن تكون أسعار عبوّات المياه والمشروبات الغازية والعصير متوافرة للجميع».
غير أنّ تقديراً عاماً يُقدّمه أحد الاقتصاديّين من روّاد المنتجعات البحريّة، يضع ارتفاع الأسعار في العديد من المنتجعات والمسابح عند 30%. ويبدو هذا التوجّه، وفقاً لمعنيّين، تعويضاً عن الجزء الفائت من الموسم.
وبحسب جان بيروتي، «بدأ الموسم بخسارة شهر ونصف شهر بسبب الطقس السيّئ». وبعد ذلك شهد القطاع «استعادة نسبيةً لنشاطه. غير أنّ هذا النشاط لن يدوم بمجيء شهر رمضان، الذي يحلّ في آب من هذا العام، وبعده يأتي شهر أيلول، حيث يبدأ الإعداد للمدراس».
لذا، في الإجمال، «سيكون الموسم قصيراً جداً، ولن يتعدّى 40 يوماً، لذا يُمكن القول إنه سيكون من أسوأ السنوات للسياحة البحريّة».
وعموماً، تأثّرت السياحة على نحو ملحوظ خلال العام الجاري؛ فقد فاق معدّل تراجع تدفّق السياح حتّى أيّار الماضي عتبة 18%، وهنا يقول جان بيروتي إنّ «الأوضاع الإقليميّة تؤثّر على نحو حاد في تشغيل المؤسّسات السياحيّة البحريّة. فالأوضاع في سوريا أثّرت في مجيء نحو 80 ألف شخص من منطقة الخليج، والأسوأ، هو أنّ ما بين 25 ألف سائح أردني و30 ألفاً، هم من رواد السياحة البحريّة، كانوا يأتون شهرياً إلى لبنان برّاً عبر سوريا».
لكن حتّى في ظلّ هذه الأرقام السلبيّة، يجد المرء نفسه محتاراً لدى زيارته المنتجعات، وخصوصاً تلك التي تحوي شاليهات للمبيت. ففي معظم المؤسّسات التي استطلعت «الأخبار» أوضاعها لُحظت استحالة إمكان إيجاد حجز متوافر، ما يعني أن التشغيل عند مستويات مرتفعة.
فأحد المنتجعات الفخمة في منطقة شكّا، يُبهرك بأنّ الغرف (Chalets) عنده محجوزة حتّى العاشر من أيلول المقبل. ما يعني أنّ هذا المنتجع يعمل بطاقته الكاملة (170 غرفة) خلال شهرين بالحدّ الأدنى. أمّا إلى جنوب العاصمة، فيبدو الطلب جيداً أيضاً، حيث يقذفك منتجع شهير 10 أيّام إلى الأمام، لتتكلّف حوالى 1600 دولار، لتمضية 3 أيّام في «شاليه» يتّسع لأربعة أشخاص وطفلين.
مسألة محيّرة فعلاً: موسم ضيق وطلب ضعيف، وفي الوقت نفسه تشغيل 100%! يبدو الأمر كأنّك ترغب في تمضية سهرة في إحدى علب الليل الفارهة في لندن أو نيويورك.



140 مؤسّسة

العدد الإجمالي للمؤسّسات السياحيّة البحريّة وفقاً لنقيبها جان بيروتي. هناك 5 بينها من المستوى الرفيع «الذي يُقدّم خدمات 5 نجوم، التي يعشقها اللبناني!»

70 في المئة

نسبة المسابح في لبنان التي لا تتعدّى كلفة الدخول إليها 10 دولارات. وهناك «إقبال كثيف على تلك المسابح» بحسب تقديرات نقابة المؤسّسات السياحيّة




التلاعب على الخليجي

من الأهمية بمكان أن يكون روّاد المسابح، وخصوصاً من العائلات، على دراية تامّة يما يُقدّم إليهم، وأن يتنبّهوا إلى الأسعار المعلنة، إضافةً إلى تفقّد الفاتورة. فبعدما كانت ألاعيب الفاتورة تنطلي على السياح الخليجيّين لاستغلالهم، بدأت تسري في بعض الأحيان على اللبنانيّين. «لذا يجدر بهم أن يكونوا متيقّظين»، يقول نقيب المؤسّسات السياحية جان بيروتي.