المنامة | يبتسم قيادي من المعارضة البحرينية بعد إلحاح الأسئلة ليقول «نعم في مكان ما»، وذلك ردّاً على سؤال حول ما إذا كان هناك تفاوض بين المعارضة والسلطة بعيداً عن أروقة الحوار العلني المنعقد في مركز الشيخ عيسى الثقافي في منطقة الجفير. لكنه يؤكّد أن ما تسرب للإعلام عن تسويات أوليّة ليس دقيقاً في أي سيناريو منها. تشي حركته بأن الأمور لا تزال صعبة، وأن ما يجري في الخفاء هو أصعب مما يظن الجميع.
في جمعية «الوفاق» الوطني الاسلامية، لا يوجد إلا الصمت، الكل لا يعلم، والأمين العام، علي سلمان، لا يفتح فمه إلا في دوائر ضيقة جداً. داخل جمعية «وعد» اليسارية كلام كثير، لكن لا أحد يعلم شيئاً عن أي تفاوض. أما في المنبر التقدمي والتجمع القومي، فتكاد رؤية هاتين الجمعيتين داخل الحوار تتطابقان مع رؤية جمعيات الموالاة من حيث عدم تقديمهما بند حكومة يكون رئيس وزرائها منتخباً. وقال الأمين العام للتجمع القومي، حسن العالي، إن تعيين رئيس الوزراء حق للملك لن ننازعه فيه. تصريح يكشف ما الذي فعله السيف السعودي بقلوب بعض قادة المعارضة.
هكذا في البحرين تفاوض سرّي غامض، وحوار علني مختلف عليه، من اسمه حتى اجراءاته وأعضائه، لكن تأثير التفاوض الغامض يتضح حين يبدأ قادة الموالاة بالحديث عن حكومة تمثل الارادة الشعبية، لكنهم يشترطون أن يكون «الفيتو» عليها في أيديهم. ويظهر القيادي السلفي عادل المعاودة أفضل من يجيد القفز بين الحبال ومن يضع أذنه داخل الكواليس، فتراه يقف لأخذ صورة مع الوفاقي خليل المرزوق. هو يخطط لأن يتغير كل شيء، لكن شرط أن لا تتغير الدوائر الانتخابية كي يصبح حق «الفيتو» بيد الموالين.
بالتوازي مع الحراك السياسي السري والعلني، نشطت الحركات المعارضة الرسمية والشعبية لاستعادة شارعها وعافيتها. لقد بدأت المعارضة التقليدية بحشد الجمهور في سار، قدر بنحو 20 ألفاً، لحقه حشد آخر في جزيرة سترة التي شهدت أكبر عمليات قمع «درع الجزيرة»، وكان العدد هذه المرّة أكبر والساحة أيضاً. اقترب العدد من 70 ألفاً. قبل أسبوعين كانوا في الدراز، مقرّ إقامة المرجعية الشيعية الشيخ عيسى قاسم، وكانت الساحات الثلاث الكبيرة قد امتلأت عن بكرة أبيها وناهز العدد مئة ألف، قبل أن تنتهي في الأسبوع الماضي في كرانة بحشود ضخمة جداً.
واصلت المعارضة تكاثرها في استعادة زخم الاحتجاجات، حتى صار النظام حائراً أمام هذا الكم الذي لم تجد معه القبضة الأمنية. ما اختلف من الأمور قبل دخول قوّات «درع الجزيرة» هو فقط عدم وجود المتظاهرين عند موقع دوار اللؤلؤة. الناس لا يزالون مصرّين. لم تمر ليلة واحدة دون فعاليات احتجاجية في القرى والمناطق. وهي أصلاً لم تهدأ إبّان قانون الطوارئ.
وفي مقابل فعاليات المعارضة الرسمية، بدأ تشكيل ائتلاف شباب «14 فبراير» بالظهور ككيان سياسي له حضوره في الأسابيع الماضية. لم يتوقّع الجالس على مكتبه المكيّف والكبير والمخيف في مبنى وزارة الداخلية (القلعة) أن هذا التشكيل هو تشكيل له حضوره الجماهيري، إلا حينما قرر الانتفاض ببيان العودة في الأول من حزيران الماضي. فاجأ الجميع. وبدا المراقب لحراك شباب «14 فبراير» يلمس نضوجاً سياسياً واضحاً من خلال البيانات التي تلت قانون السلامة الوطنية.
وهكذا دعا الائتلاف إلى الاعتصام في ساحة جد حفص قبل أسبوعين. احتشد الآلاف. ثم دعا إلى اعتصام ثان الأسبوع الماضي في البلاد القديم، فحضر الناس بقوة رغم أن آلة القمع لم ترحمهم مجدداً. وأثبت حضوراً لافتاً في مسيرة تشييع الضحية الأخيرة للحركة مجيد أحمد، حين انتهى التشييع ليتجه الآلاف في مسيرة حاشدة قاصدين موقع دوار اللؤلؤة، حيث تم تفريقهم بصعوبة بالغة وأصدرت الداخلية بياناً، لتعود لاحقاً وتتصرف بحذر وخوف مفرطين مع اليوم الأخير لمراسيم عزاء الفقيد، حيث أغلقت كل الطرق المؤدية للسهلة (مسقط رأس الفقيد) خوفاً من المسيرة التي دعا إليها الائتلاف.
لم يخف مراقبون إعجابهم بذكاء ائتلاف شباب «14 فبراير» الذين تحاشوا التصادم مع قوى المعارضة السياسية الرسمية، بحيث تعمّدوا عدم الدعوة إلى فعالية في اليوم ذاته الذي تقرر فيه فعالية المعارضة الرسمية، بل دعوا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الى إنجاح فعاليات المعارضة.
وحتى اللحظة فشل النظام في تعقب الائتلاف الشبابي الذي يقوده شباب متحصنين بالأسماء الحركية وبحركة مدروسة على الأرض. وصار المحققون يسألون المعتقلين في آخر الأيام بيأس عن شباب «14 فبراير» وحقيقتهم، دون جدوى في أن يكشف اسم من أسماء هؤلاء الشباب، فيما واصل الائتلاف مفاجآته في بيانه عن لجنة تقصي الحقائق، حيث أبدى احترامه للأشخاص الذين اختيروا للجنة نظراً إلى ماضيهم اللامع، مع إظهار أن المشكلة ليست في اللجنة التي على ما يبدو نزيهة، لكنها في القاتل الذي أنشأ لجنة لتقصي حقائق عن جرائم هو من أمر بالقيام بها وهو المسؤول الأول والأخير عنها.
لم يختف شباب «14 فبراير» عن الحضور في القرى والبلدات طوال فترة السلامة الوطنية، كانت لمستهم واضحة وما ميزهم عن الآخرين امتلاكهم لأسرع المجموعات الخبرية الإعلامية التي تستخدم الهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي، فهم بذلك تفوقوا على المعارضة التقليدية ويكفي أن الشعب البحريني بات يتلقى أخبار المُفرج عنهم أو المقبوض عليهم أو أحوال المعتقلين من المواقع الخاصة بشباب «14 فبراير».