تعبّر الشابة الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي ع. غ. عن ذهولها من قدرة «الاخطبوط» على تهديد ديمومة عملها. فعندما بدأت نشاطها في دعم نضال عمّال «سبينيس» من اجل تأسيس نقابتهم وحماية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم، لم تكن تعتقد بأنها ستواجه تهديدات جدّية بصرفها من عملها لدى شركة MINDSHARE، كانت تظن انها تمارس ابسط حقوقها في التعبير الحر عن آرائها ومواقفها خارج نطاق وظيفتها. أُجبرت ع. غ. على توقيع تعهّد بالتوقّف عن ممارسة اي نشاط يدعم العمّال، كما الزمتها الشركة بإزالة كل الكتابات والمواد التي قامت باعدادها على صفحتها على «الفايسبوك» و«البلوغ» الخاص بها، ووجّهت اليها انذارا اخيرا في حال لم تلتزم بذلك.
اضطرت ع. غ. الآن للدخول في دوامة البحث عن وظيفة جديدة، لم تعد تشعر بالامان في وظيفتها الحالية، ولا سيما انها اضطرت للرضوخ لمطالب ادارتها واضطرت ايضا الى ابتداع شخصية مزيّفة على «الفايسبوك» لمواصلة نشاطها المحظور!
خضعت ز. ن. لجلسات استيضاح من قبل المديرين المسؤولين عن عملها لدى صندوق الامم المتحدة للسكان، على خلفية شكوى من نشاطها الداعم لعمّال شركة «سبينيس»، رفعها المدير التنفيذي للشركة، مايكل رايت. وتلقّى عدد من الناشطين رسائل تنطوي على تهديدات بملاحقتهم قضائياً لانخراطهم في حملة تدعو الزبائن الى مقاطعة متاجر «سبينيس» في حال لم تحترم الشركة حقوق عمّالها، ما دفع الكثيرين الى الخوف من ملاحقتهم. كما تلقّى البعض تنبيئهات من «الزعامات» المحسوبين عليها وقيادات احزابهم وادارات الشركات التي يعملون لديها بذريعة ان هناك اهدافاً «شيطانية» تكمن وراء تحرّك العاملين في «سبينيس»، تمّ تصوير الامر لهم كما لو انهم في مواجهة «شبح الشيوعية» الذي يخيّم على متاجر «سبينيس»، وبات من الضروري انخراط الجميع في «حلف مقدّس» لطرد هذا الشبح، علماً بأن اي شيوعي ليس في عداد المنخرطين في عملية تأسيس النقابة المذكورة، بل هم مستقلّون بمعظمهم وقلّة منهم تنتمي الى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحركة امل.
تولّى النائب السابق جبران طوق ونجله وليم ضبط من يعتبرونهم من «جماعاتهم» في فروع الشركة في ضبية والاشرفية وجبيل، وتولّى النائب الحالي محمد كبارة والنائب السابق مصباح الاحدب مهمّة ابعاد من يعتبرون انهم يخضعون لهم عن الانخراط في النشاط النقابي في فرع طرابلس، وتولّى فوزي هاشم (احد نقابيي حركة امل) وظيفة تحذير العمّال الشيعة في فروع الجناح وصيدا وصور والاشرفية وجبيل والحازمية من مغبة القيام بأي نشاط ضد ادارة شركتهم، لانهم بذلك سيفقدون «الغطاء». واستنكف التنظيم الشعبي الناصري عن حثّ مناصريه من العمّال في فرع صيدا على الانخراط في النقابة. كما استنكفت قيادة الحزب الشيوعي عن دعم تحرّكات «جمعية اصدقاء عمّال سبينيس»، وهي جمعية لا تزال قيد التأسيس، فشارك في اعتصامها التضامني الاخير (الجمعة الماضي) امام فرع الشركة في الاشرفية عدد من الناشطين الشيوعيين الشباب غير الملتزمين كلّياً بتعليمات قيادتهم، في حين غاب بنحو مفاجئ عن الاعتصام رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين، كاسترو عبد الله، المحسوب على قيادة الحزب. كما لم يشارك في هذا الاعتصام اي من الناشطين في التيار الوطني الحر، على الرغم من ان الاعتصام كان هدفه التنديد بصرف رئيس الهيئة التأسيسية لنقابة العاملين في «سبينيس»، ميلاد بركات، وهو محسوب على التيار العوني، ويكاد يكون «العوني» الوحيد الذي يتبوأ قيادة نقابة عمّالية مستقلة تضمّ منتسبين من اطياف سياسية وحزبية وطائفية مختلفة وغير محسوبة على اي جهة محددة.
اكتفت قيادة الاتحاد العمّالي العام بدس عبارة وحيدة في بيان طويل وممل تشجب فيها صرف بركات من عمله على خلفية نشاطه القانوني والمشروع، ولم تجد نقابات حركة امل وحزب الله والقوات اللبنانية والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث وتيار المستقبل والحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي، وهي النقابات التي تحتل مواقع تمثيل العمّال كلّها تقريباً، اي مبرر يستدعي التحرّك فورا دفاعا عن الحريات النقابية وحق العمّال في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية. تمّ التصرّف كما لو ان ما يحصل في «سبينيس» لا يعني اياً من هذه النقابات.
شنّت وسائل الاعلام التابعة لتيار المستقبل حملة دفاع عن ادارة الشركة في مواجهة عمّالها الذين ينتمي البعض منهم الى تيار المستقبل نفسه. وقررت ادارة تلفزيون الجديد النأي بنفسها عن هذه القضية على الرغم من ادعائها الدائم بمناصرة قضايا الحريات وحقوق العمّال. وفعلت ادارة تلفزيون OTV ما هو افظع من ذلك، اذ وصلت الامور لديها الى تعديل برمجتها المعتادة ومنعت اعادة بث مقابلة مع وزير العمل السابق (المستقيل) شربل نحّاس ضمن برنامج «فكّر مرتين» لانه لم يقبل شروطها المسبقة بعدم التطرّق الى قضية عمّال «سبينيس» وحكاية محاربة نقابتهم. ومُنع بيع جريدة «الأخبار» في كل فروع «سبينيس»، ومارست شركات الاعلانات ضغوطاً جدّية على الصحف والمجلات وسائر وسائل الاعلام لمنعها من اداء واجباتها المهنية في تقصّي حقيقة ما يحصل مع عمّال هذه الشركة، ووصلت الضغوط احيانا الى حدّ التلويح بحرمان وسائل اعلام معينة من ميزانيات اعلانية كبيرة لا تنحصر باعلانات «سبينيس» نفسها.
تجنّد وزير العمل سليم جريصاتي لحماية الشركة من اي تدابير ضدّها تفرضها القوانين المرعية الاجراء، ومنع اجهزة التفتيش في الوزارة من استكمال عملها في اثبات مخالفات الشركة وتغريمها، ورفض حتى الان اعطاء النقابة الترخيص المطلوب لتأمين الحماية القانونية لاعضائها، وسمح لادارة الشركة باكراه 700 عاملة وعامل لديها على توقيع عريضة يعبّرون فيها عن امتنانهم للشركة وعدم حاجتهم لنقابة تدافع عنهم، وتذرّع بهذه العريضة «الاكراهية» ليبرر عدم قيامه بواجباته الدستورية في التصدي للشركة الخارجة على القانون، واستحضر معه رئيس المكتب العمّالي لحركة امل علي عبد الله عندما اضطر تحت الضغط الى استقبال النقابيين المصروفين من العمل لدى شركة «سبينيس» ميلاد بركات وسمير طوق، وكأن الهدف اشعارهما بأنهما يواجهان حلفا قويا غير قابل للكسر. علماً بأن جريصاتي لا يزال ينفي هذه المعلومات، ويؤكد أن ملف النقابة سلك مساره القانوني من دون تأخير، مشدداً على أنه يتابع قضية المفصولين من عملهم.
فضّلت قاضية الابتعاد عن قضيّة عمّال «سبينيس»، فأعلنت عدم صلاحية القضاء في النظر بمراجعة تقدّمت بها الهيئة التأسيسية لنقابة العاملين في الشركة تطالب بمنع ادارتها من صرف اي من المنتسبين الى النقابة قبل صدور قرار وزير العمل بقبول طلب الترخيص او عدمه. كذلك تورّط فرع المعلومات في عملية ترهيب العمّال عبر القيام بدوريات داخل فروع الشركة للاستقصاء عن بعض الناشطين في مجال تأسيس النقابة، وذهب بعض المسؤولين القضائيين والامنيين المحسوبين على النائب ميشال المر الى حدّ التورط بحجز حرية النقابي بركات لساعات طويلة ليومين متتاليين بذريعة اخذ اقواله في مخفر الدرك في الاشرفية (محلّة بيضون)، وذلك بناءً على ادعاء تقدّمت به ادارة الشركة ضد بركات تعبّر فيه عن خوفها من نيّته القيام بردّ فعل ضد قرارها بصرفه من العمل... ليتبيّن لاحقا ان الهدف كان اجبار بركات على التعهّد بعدم دخول متاجر «سبينيس» ومكاتبها، حتى بصفته زبونا!
للحكاية تفاصيل اخرى كثيرة ومثيرة لا مجال لسردها كلّها، ولكن لنعد قليلا الى الوراء حتى تكتمل فصول هذه الحكاية، والتعرّف اكثر على طريقة عمل «الاخطبوط».
تشبه حكاية «سبينيس» حكايا شركات كثيرة تجني ارباحا طائلة من تحكّمها بالاقتصاد والاسواق المحلية. المفتاح الذي تحمله الشركة لفتح باب «الجنّة اللبنانية»، هو ربط مصالح الكثير من «الزعامات» المتحكّمة بالدولة واجهزتها وادوات عملها وتأثيرها بمصالح الشركة نفسها. فشركة «سبينيس» مملوكة من رساميل خاصة خليجية، ويديرها الرجل الانكليزي الابيض، مايكل رايت، وهاتان السمتان كافيتان لانتزاع امتيازات مهمّة تجعلها فوق القانون... الا ان الشركة ارادت اكثر من ذلك بكثير، فقد سعت منذ البداية الى جعل عملها في لبنان الاكثر ربحية لها، حتى بالمقارنة مع الخليج ومصر والاردن وباكستان، وذلك عبر الحصول على حماية تامّة من تركيبة السلطة المافيوية ــــ الميليشياوية القائمة منذ عقد التسعينيات، والتي كانت تديرها «الوصاية السورية»، وبما يتيح لها اوسع استغلال للعمّال والعاملات. وضعت الشركة خطّتها المحكمة، فعمدت الى اقامة اول فروعها على ارض في ضبية يملكها النائب (السابق) جبران طوق، وهو كان يتمتّع بعلاقات وطيدة من الاجهزة الامنية السورية، ويحظى برعاية النائب ميشال المر والنائب سليمان فرنجية، ويرتبط بعلاقات مصاهرة مع النائب السابق ايلي سكاف المتزوّج من ابنته ميريام طوق، فضلا عن ان ابنة شقيقه ستريدا طوق (النائبة الحالية) متزوجة من سمير جعجع! يتقاضى جبران طوق نحو 3 ملايين دولار سنويا لقاء استثمار «سبينيس» لأرضه، الا ان العلاقة مع الشركة تتجاوز هذا الريع الهائل، اذ ان نجله وليم يلعب دورا ظاهرا الى جانب مايكل رايت في ادارة الشركة وعقودها وصفقاتها، من دون ان تكون له اي صفة معلنة، اذ ان وليم ليس مساهما ولا مديرا ولا موظّفا في الشركة! وقد بدا دوره واضحا جدّا في قمع تحرّك العمّال وسعيهم الى تنظيم انفسهم نقابيا.
كان ذلك في منتصف التسعينيات، وكرت سبحة افتتاح الفروع، فعادت «سبينيس» الى منطقة بئر حسن وبنت متجرها على ارض تملكها شركة كويتية تحظى برعاية الرئيس (الراحل) رفيق الحريري، ثم افتتحت فرعها في الاشرفية على ارض للوقف الارثوذكسي، وبعدها انتقلت الى طرابلس لتبني متجرها على ارض ورثها النائب (السابق) مصباح الاحدب، الذي كان لا يزال يحظى برضى النظام الامني. ثم افتتحت فرعا لها في صيدا على ارض يمتلكها النائب ياسين جابر، القريب جدّا من الرئيس نبيه بري. وكذلك الامر في صور وجبيل واخيرا في الحازمية.
كانت خطّة الشركة منذ البداية ان توفّر مصالح مالية ريعية مباشرة للزعامات المحلية النافذة، امّا عبر استئجار الاراضي وامّا عبر تخصيص «كوتا» لكل «زعامة» من اجل توظيف «جماعتها»، فكان المتورطون يتولّون حماية الشركة ومخالفاتها الفاقعة، والاهم انهم يضبطون «جماعاتهم» عبر تمنينهم بالوظيفة وتحويل اي مشكلة مع ادارة الشركة الى مشكلة مع «الزعامة» الحامية نفسها، وهو ما ساهم في جعل ظروف العمل قاسية، بل تصل الى حدّ وصفها بالسخرة بالنسبة لنحو 300 عامل حمّال يعيشون من الاكراميات ويضطرون الى تسديد 5 الاف ليرة يوميا للشركة للسماح لهم بالعمل لديها، وهذا ينطبق على نحو 200 عاملة وعامل غير مصرّح عنهم لدى الضمان الاجتماعي بحجّة انهم يعملون على الساعة، علما ان قيمة اجر الساعة تبلغ 2400 ليرة فقط لا غير.
هكذا تتحوّل شركة تجارية الى حصن منيع، لا يعنيها دولة او قانون او حقوق. بل تصبح معفية حتى من الالتزام بمعايير محددة ولو بالشكل، اذ ليس امرا عابرا ان لا يشعر مايكل رايت، مثلا، انه مجبر على الحصول على اجازة عمل، بوصفه اجنبياً يعمل في لبنان، او تأشيرة اقامة تحددها القوانين والانظمة، يأتي متى شاء ويذهب متى شاء ويقيم بالقدر الذي يريده من دون ان يتعرّض لأي مساءلة من اي نوع. هذا المدير التنفيذي نفسه لم يتردد في كل مقابلاته الاعلامية الاخيرة من اللعب على الحساسيات السياسية التي تسيطر على علاقات اللبنانيين، اذ اتهم عمّال الشركة بالعمل وفق اجندة سياسية، وكأنه بذلك يجاهر بان شركته جزء من منظومة سياسية متحكّمة بالبلاد، كما انه لم يتردد في الاساءة الى وزير العمل الحالي سليم جريصاتي بالايحاء انه يساند الشركة، وذلك عندما اعتبر في مقابلة له ان حماسة وزير العمل السابق شربل نحاس لنضال عمّال «سبينيس» تهدف الى حشر جريصاتي والتشهير به.



انجازات العمّال


جرى تجنيد الدولة في خدمة شركة «سبينيس» ضد عمّالها، وهذا لا ينحصر ابداً بأجهزة الدولة الامنية والقضائية، ولا بوزارة العمل، بل يتجاوز ذلك الى ادواتها النقابية التي وقفت موقف المتواطىء، او على الاقل، وقفت موقف الساكت. ولكن الصمود الذي عبّر عنه اعضاء الهيئة التأسيسية لنقابة العاملين والاحتضان لحركتهم رسم صورة مختلفة حتى الآن لا بد من التركيز عليها لكي لا تترسخ عناصر الاحباط.
ــــ اضطر مايكل رايت للتقدّم بطلب اجازة عمل منذ اسبوع تقريبا.
ــــ اضطرت ادارة الشركة تحت الضغوط الى العودة عن قرارها بصرف عضو الهيئة التأسيسية للنقابة مخيبر حبشي.
ــــ اضطر وزير العمل سليم جريصاتي (الصورة) الى تحريك طلب ترخيص النقابة، اذ عمد في 28 الشهر الجاري الى طلب استشارة وزارة الداخلية، وذلك بعد شهر من تقديم الطلب واهماله في الادراج لمنح ادارة الشركة المزيد من الوقت للتنكيل بعمالها.
ــــ تحرّك التفتيش في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأصدر تقريره عن بعض الفروع والزم الشركة بتسجيل نحو 135 موظفة وموظف في الضمان، كما الزمها تسجيل كل من لا يتقاضى اجرا بالحد الادنى للاجور.
ــــ اضطرت ادارة الشركة قبل ذلك الى تسديد زيادة على الاجور بناء على المرسوم، ولو بصورة مشوّهة وناقصة.
ــــ اضطرت الشركة الى زيادة ميزانياتها الاعلانية لرشوة وسائل الاعلام والصحافة، الا ان هذه الرشوة لم تفعل فعلها بصورة تامّة، اذ بات تحرّك النقابة يحظى باهتمام بعض وسائل الاعلام الرئيسة، ولم يعد بمقدور اي وسيلة اعلام تجاهله.
ــــ انطلقت جمعية قيد التأسيس تدعى «جمعية اصدقاء عمال سبينيس» لدعم نقابتهم ميدانيا وبالتبرّعات.
ــــ اصدرت منظمة العمل الدولية بيانا شديد اللهجة يدين ممارسات شركة «سبينيس» وممارسات الحكومة في تغاضيها عن تطبيق المعاهدة الدولية رقم 98 التي تضمن حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية.