... لذا يا إخوة، وبعد كل ما مررت عليه من عقائدَ وقناعات، عبر السنين، بعد كل الأخذ والردّ في مواضيع بسيطة جداً في الأساس، إنما سمّوها عن غير رغبة في التحقيق: وجدانية، بعد الشيء وعكسه، بعد الفعل ونقيضه، بعد عهودٍ من السهر المديد، والتأكّد شخصياً من أنواع الفجر على امتداد أشهر السنة، وبعد النهوض باكراً بغية التثبّت من أن الحياة قد تكون عظيمة بهذا الشكل، عدتُ وسلّمت في النهاية: بأنّا للّه وأنّا إليه راجعون. واعترفتُ، وها أنا أكرّر أمامكم أن هذا الاعتراف هو أفضل أنواع المصائر التي يمكن أن نتمنّاها لأنفسنا ولكلّ نفسٍ بشريّة، شريفةً كانت أو دنيئة.

وها أنا أعترف أيضاً بالجنّة وبالنار، والأصحّ أنّي أُسلّم معكم جميعاً بذلك. فأنتم أكثرية كبيرة مؤمنة، منتشرة في المعمورة، لها ظروفها التاريخية، لها عاداتها والتربيات المختلفة التي أجمعت، بصعوبةٍ، على بعضٍ من مزايا الخالق والكون. تناقلت تلك القيم عن السّالفين، وبدورها نقلتها لكم. وها أنتم تنقلونها لأحفادكم، وأنا واحدٌ منكم أو منهم، لا فرق، فأنا لن أعاكسكم، أو أعاكس أحداً وحدي في ذلك. لا أنا، ولا ربّما بعض الأفراد «الماديين» والتعساء عموماً. فالمؤمن يَغْلبنا جميعاً بإيمانه بالآخرة، بأملٍ ظاهرٍ عليه، أتمنّى له أن يكون صادقاً، فهو الخسران إن كذب. يغلبنا بأمله في حياةٍ ثانيةٍ فيها كل المعنى المفقود خلال حياته الحالية على الأرض. فبناءً على ما سبق، أعلن لكم، أولاً: أنّكم، الأرجح، على حق، وأنا أؤيّدكم، حتى لو كنّا متفاوتين بنسب الإيمان أو بمعدّل حضوره المستقرّ الدائم. ثانياً: لذا أطلب منكم، بحياة أعزّ أحبائكم، بجاه الله، ومريم البكر والنبي (ص)، وأُحلّفكم ببعضٍ ممّا قد تكنّونه لي من المحبّة العموميّة التي تدعو إليها جميع أديانكم، بما فيها اليهودية، وأطلب منكم: إن كان لديكم شيء، أو بالأحرى أطلب ممّن لديه شيء يحبّ أن يريني إيّاه، فليفعل فوراً، أو لنقُل في أقرب وقت ممكن، أرجوكم. فأنا، لظروف خاصة، غير مستعدّ لأن أنتظر ذلك إلى ما لا نهاية أو إلى ما بعد ولوجي الجنّة أو النّار، لا سمح الله. إذا كان أحدكم يعرف شيئاً عن مستقبل باريس 3، أو مَن تبقّى من المهجّرين، أو عمّا وصل إليه السيد فؤاد بطرس في قانون الانتخاب الموعود الجديد، أو أيّة لمحةٍ مقتضبة عن جدوى الفدرالية، إذا كان ممكناً أن نعرف أين صار التحقيق في «الليبتون» وثكنة مرجعيون، فليقل لي، وعلى هذه الأرض. فأنا، إن كنتُ سأكون في الجنّة يوماً ما، لا أحبّ المفاجآت بطبعي، وهذا طبعي، وطبعي لي، وهو من فضل ربّي، مبدئياً، ولا أعرف الجنّة سابقاً، فقد يكون من الصعب فيها التدخّل أو الاعتراض على القضاء، أو مساءلة الأدلّة الجنائية أو حتّى الدرك. أعطوني فكرة كيف ستكون بيروت بحسب تلفزيون «المستقبل»، مدينة عريقة للمستقبل؟ فوضعها الحالي، كما هو وضع البنك المركزي، لا يوحيان ثقةً مفتوحة لامتناهية. سيأتي وقت حكماً، وهو قبل الآخرة، سيضطّر فيه لبنان ورياض سلامة، أطال الله بعمرهما، للبدء بسداد الديون... ولّا لأ!؟
أخيراً، قولوا لهذه المرأة العظيمة التي تقود سيارتها وحدها، ليل نهار، وتهتمّ يوماً بعد يوم، أكثر فأكثر، بصحّتها وبنضارتها، وهي أينما حلّت تروي وتصرّح أنّ لديها تجاهي شعوراً خاصاً جداً، وأني بالنسبة إليها، غير كل الناس والأصدقاء والأقربين. قولوا لها إن عادت وكلّمتكم بذلك، أن تحدّد ما هو هذا الشعور. أرجوكم قولوا لها: أرجوها. فالوقت يمرّ بسرعة كما دائماً، وهو في لبنان دون قيمة. قولوا لها إنّني لست أكيداً أننا سنلتقي في الجنّة، فأنا مؤمن متدرّج جديد، وما زلت عرضةً للشكّ وللشيطان الرجيم، لعنة الله عليه. وأعرف أن الجنّة، وإن كانت موجودة، فسأكون أنا فيها بلا شك، لكنّها هي لن تكون بالتأكيد. لذا فلتكلّمني في أقرب فرصة إن كان لديها فعلاً تجاهي شيء بهذه الأهمية، وشكراً.