إخواتي أخواتي أيّها الرفاق، يا أيّها القراء الأعزاء والأحبّة المجاهدون والمجاهدات، في الأول من شهر أيلول الحالي، عدتُ لأحجز عموداً مزدوجاً في هذه الصحيفة العزيزة، اللا غبار عليها، وقد تمّ وضعي في الطابق الأول ــ الصفحة الثانية. وكتبتُ يومها، أي قبل أسبوعين بالتمام، عن أسباب عودتي الى المبنى في إطار بيان لا عنوان خاصاً له، بل عنوان العمود نفسه أي: ما العمل؟، كمن يجيبك عن مكان إقامته بإسم العقار لا بعنوان الطابق والجهة؛ والحقيقة أن اسم العقار ورقمه أهمّ من لائحة شاغلي طوابقه، فما يصيب هذا المبنى من هزّات أو مشاريع كوارث، أخطرها الانهيارات وأسفلها الاستملاك، يأتي على عزيمة وهمّة كل قاطنيه رغم تضارب انتماءاتهم ونزعاتهم للتوحيد.
لكن سؤال «ما العمل؟» يبقى حتى ما بعد الهزّات والاستملاكات، وهو الذي يدفع بسكّان العقار للعودة من الشارع الى طوابقهم بعد انتهاء الكارثة. فهنا محلّ الإقامة والعمل، والإقامة حاجة ووسيلة، أمّا العمل فأساس الحياة. وقد ذكرتُ في المقال أن العالم مقسوم على رقم 2 وأن «كل من ليس معنا هو ضدّنا». واليوم وبعد إعادة نشر 13 X مقال كتبت في الفترة من 2007 ــ 2008، أكّد لي القرّاء المعادون هوياتهم وأبرزوها في المقاهي وأماكن اللهو العام وصفحات التواصل الكئيب وذلك لشدّة فخرهم بها. وهذا مشجّع جداً، لا بل سيرتّب عليّ وعلى الرفاق في «الجريدة» إعادة رصّ الصفوف كما يُرصّ الزيتون في أواخر الشهر الحالي، وتكثيف العمل، لا بل حتى بدء الهجوم المضاد الذي أُجِّل مراراً كرمى للديموقراطية والموضوعية والمهنية وحرية جدران الغرافيتي والكرنتينا كمؤشرٍ مبشّرٍ معبّرٍ عن حدود التعبير يوم سيكون حرّاً.
أخواتي خاصة، إبتداءً من نهار الاثنين أصبح ـــ أي في الماضي ـــ إسم العمود: «مانيفستو». وذلك تحت وطأة غوغائية الحقوق والواجبات و«الروتاريات» كما العاملات الأجنبيات والتحليل الاعتباطي المتبادل للمسؤوليات. إن «المانيفستو» هو بيان كالصلاة يُتلى قبل البدء بالعمل، فمبروك للرفاق الصابرين وهنيئاً لكم يا أعداءنا بنا.

■ ■ ■


بيان

فلنراجع بعض الشيء أين نحن اليوم.
سبق أن قلنا، على أثر استشهاد (*) الرفيق الأعلى جوزف نصري سماحة، في تعبير أولّ حدوُدهُ صفحةٌ في جريدة، كائناً مَن أو ما كانت ــــــ قلنا، رداً على عنوان هذه الزاوية نفسها: «ما العمل؟»، ما معناه: اليوم اكتشفنا ما هو العمل. إنه ليس سوى: العمل نفسه. وقلنا أيضاً: «إلى العمل». هذا هو العمل وقد اهتدينا إليه أخيراً، اليوم. وقلنا أيضاً إن العمل كثير.
أعزّائي القرّاء، أنا مَن اختار التصريح بذلك من بين «الرفاق» والزملاء، ولم أكن أصوغ جملةً إنشائية، كما أنه لم يكن تعبيراً انفعالياً. إني فعلاً شعرتُ بالحماسة الكبيرة لمزيد من العمل، لا شيء سوى العمل، وخاصة أن هذا العمل كثير، وكثيف. وربما وللاختصار وقتها، ضمن مقال في جريدة، لم أوضح تفاصيل أكثر من ذلك. إن العمل الصحافي، وعلى الصفحة الأولى، كما أراده بعض من مجموعة الجريدة ــ «الأخبار»، ليس أبداً المكان المناسب لطرح تفاصيل هذه المسائل ولا لأيّ من التفاصيل عموماً. إن العمل وكل عمل بالمختصر، تلزمه خطّة للعمل، كما يلزمه فريق للعمل، كما يلزمه مزيدٌ من التفرّغ والانخراط في هذا العمل. وهذا ليس كله مؤمّناً حالياً، ويجب ألّا يبقى الوضع كذلك... إن البلاد ليست، كما يقال، على شفير الهاوية. إنها تاريخياً وجغرافيّاً، كذلك، منذ خُلِقْنَا. إن محل الإقامة: شفير الهاوية. ورقم السجلّ، رغم تغيير «النفوس» والمخاتير لا يتغيّر، وهو في ما خصّني: 59.
أعزّائي، اجتماعاتٌ كثيرةٌ بدأت هنا وهنالك، في هذا الخصوص، وهي حتى الآن غير كافية على الإطلاق. وأعدكم أن الشيوعيين (وهي، أي: الشيوعية، كبيرة جداً على مجتمعنا ويجب البدء أساساً بإيضاحها) أوسع وأقوى بكثير مما تظنون. وأكثر من يعي ذلك، هم الرفاق في حزب الله، يا للمفارقة. إن ذلك حاصلٌ فقط لأنهم جدّيون. بالمختصر، إن الأمور ستنتظم تدريجياً أكثر فأكثر، وضغط العناوين اليومية بما يسمّى شعبياً المستجدات علينا، سيخفّ، بل يجب أن يخفّ. فنحن نتكلّم عن صراع «ماضٍ جداً»، أي قديم بقدم تطور المجتمع البشري ومستمر حتى الانهيار الشامل لرأس المال على شكله المعولم الجديد. ملاحظة: إن الشيوعيين في لبنان على سبيل المثال، هم أنفسهم لا يعرفون حجمهم بالضبط، طبعاً فذلك مرتبط بالتفسير النهائي لكلمة الشيوعية.
(*) راجع مقالة الأستاذ أنسي الحاج بعنوان: «موتٌ كموتكَ قَتْل». إن جوزف سماحة بالنسبة إلي أيضاً، مات وكأنه استشهاد قسريّ، كأنه اغتيل تدريجياً وبهدوء.