حلب | هزّت سلسلة تفجيرات دامية وسط مدينة حلب، أدّت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. ساحة سعد الله الجابري بما تحويه من مراكز أمنية ومدنية تحوّلت إلى مساحة من الدماء والدمار. وأوردت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» أنّ ثلاث سيارات مفخخة انفجرت في أوقات متقاربة «يقودها إرهابيون انتحاريون» في ساحة سعد الله الجابري، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات من المواطنين. وأشارت الوكالة إلى أنّ «السيارة الأولى والثانية فجّرهما إرهابيون انتحاريون قرب فندق النادي السياحي، ما أدى إلى استشهاد 31 وإصابة العشرات من المواطنين، إضافة إلى إحداث أضرار مادية كبيرة في موقع التفجيرين». وأضافت أن «السيارة الثالثة، التي يقودها انتحاري أيضاً، انفجرت في منطقة تجميل مشارقة بعد إطلاق عناصر الحراسة الموجودين في المكان النار عليها، ولم يؤدّ انفجارها إلى وقوع ضحايا». وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ أربع سيارات مفخخة انفجرت في حلب، ثلاث منها في ساحة سعد الله الجابري ومداخلها، وسيارة رابعة بالقرب من غرفة التجارة في باب جنين عند مدخل البلدة القديمة. وأدّت الانفجارات، بحسب حصيلة أوردها المرصد، إلى مقتل 48 شخصاً أغلبهم من القوات النظامية، مشيراً إلى احتمال ارتفاع عدد القتلى بسبب وجود نحو 100 جريح.
وفي وقت لاحق، تبنت جماعة «جبهة النصرة» الاسلامية المتشددة التابعة لتنظيم «القاعدة» التفجيرات.
ولم تثن الجراح ونزف الدماء في ذراعي «رودين»، مصور قناة «الإخبارية» السورية عن أداء واجبه، فيما لم يتمالك شادي حلوة، مراسل التلفزيون الرسمي، دموعه وهو يتحدث عن طفلة ترتعش وهو يسعفها، وعن نسوة غرقن في الدماء. تلك كانت الدقائق الأولى بعد الهجوم، الذي نفذ بسيارتين مفخختين وبثلاثة من الانتحاريين الآخرين الذين قتلوا في اشتباك مع حرّاس مقرّ نادي الضباط، مع تساقط عدد من قذائف الهاون في أمكنة قريبة، منها القصر البلدي. وبعد التفجير توافد أصحاب المتاجر والمؤسسات إلى المنطقة، حيث الغضب واضح على الوجوه واللعنات تصبّ على الإرهاب. حرق سوق المدينة التاريخي ترك أثراً عميقاً في نفوسهم.
وقف زكريا عتر أمام متجره، اعتبر أنّ هذا العمل لا يفعله اليهود، وخاطب السوريين: «يا شعبي كن أكثر وعياً، هذا تخريب وتدمير لا يقبله عقل أو دين، وأنتم أيها المسلحون اتقوا الله في شعبكم وأنفسكم، نشكر حمايتكم لنا بتفجيرنا». وجلس أربعة أشخاص على الرصيف، سيل من الشتائم على من يتكنى بالحلبي على الفضائيات العربية، يقول أحدهم «أبو محمد الحلبي، يوسف الحلبي، كلّه لقبه الحلبي، ويكذبون على الناس لو كانوا حلبيين لما دمروا مدينتهم، يقولون إنه لا مدنيين في المنطقة». ويتابع ساخراً: «هل نحن جنود انكشاريون يعني؟ جاؤوا لتحريرنا من أنفسنا وتفجير أحيائنا، وتحويل حياتنا إلى كابوس انتقاماً منا، لأننا رفضنا تحويل سوريا إلى عراق آخر».
بدوره، استنكر أحمد قلعجي ما سماه «الفجور في إنكار استهداف المدنيين»، مشيراً بيديه للشقق السكنية في الشارع الخلفي للفندق السياحي الذي استهدفته إحدى السيارات المفخخة.
ورغم الموت والرعب، الطفلة قمر، ذات السنوات الست، ترافق أباها سعد صباغ إلى متجره على بعد 50 متراً من مركز التفجير، ألعاب الأطفال تساقطت على الأرض، وبينما يتفقد الأب بضاعته، لاحقت قمر المصور التلفزيوني وقالت: «الإرهابيون فجرونا». يحمد والدها الله، ويقول بدوره: «يا شعب سوريا اتحد، نحن أقوى من هؤلاء، ويا جيشنا الله يحميك وإن شاء الله النصر القريب».
دوّى تفجير رابع، وخلال دقيقة يتحلق العشرات حول أحد الضباط لمعرفة المكان المستهدف، يغلق جهازه اللاسلكي ويبلغهم باستهداف غرفة التجارة وفندق الأمير على بعد أقل من كيلومتر.
يمنى مصري، الطبيبة التي تكاد تختنق لما يجري في حلب، «بسبب جنون الدم المنفلت من عقاله»، تبدي ندمها لأنها لم تدخل يوماً إلى مقهى جحا. وتقول: «كنت أمرّ في ساحة سعد الله الجابري، وتشدني جماليته التراثية، طابعه الذكوري جعلني أتردد، وأنا اليوم نادمة لأن عينيّ لم تحفظا جماله من الداخل ليقبع في قعر ذاكرتي».
على أطلال المقهى، وقف فتى كان يعمل فيه. «انظر كراسينا أستاذ، هذه كراسي جحا، الحمد لله عمي أبو زكي لم ينم هنا هذه الليلة، الله لا يوفقهم». ويؤكد أنّ اثنين من عمال محل في القبو أسفل المقهى، هما على قيد الحياة وسمع الجنود أصوات استغاثتيهما.
طلال البابا، الطفل في الصف التاسع الذي لم يلتحق بالمدرسة، بسبب الأوضاع الأمنية، يقول: «ماذا استفادوا من هذا العمل؟ لقد دمروا بلدهم، هذا لا يرضاه الله ولا الدين، ماذا استفادوا؟ اهتز البناء في حي الجميلية حيث نزحنا هرباً من معاركهم، لحقوا بنا إلى هنا ماذا يريدون أكثر؟». ويضيف الطفل: «نحن نازحون من حيّ السكري، والدي يعمل سائقاً، والمسلحون حولوا الحيّ إلى جحيم هذه ليست الحرية، ونحن نريد الأمان وعودة حلب كما كانت».
فيما واصلت ورش الدفاع المدني رفع الأنقاض، قال محمد حزاني، أحد مسوؤلي مجلس مدينة حلب: «لن تنصرف الورش هذا اليوم حتى إزالة الأنقاض بشكل كامل، وتنظيف الشوارع والساحة التي هي رمز لحلب».
على الصفحات الافتراضية، دار جدل عقيم حول عدد الضباط الذين قتلوا، أهو 50 أم أكثر أم أقل؟ وعن وجود مدنيين أو لا، يقسم بعضهم إن المنطقة غير سكنية ولم يسقط أي مدني، فيما لا يجد آخرون حرجاً في القول إن السلطة تقف خلف التفجير. عند الظهيرة، تأكد نبأ استشهاد الصحافية منى البكور متأثرة بإصابتها، الخبر صدم زملاءها الذين سارعوا إلى فتح صفحتها على «الفايسبوك» ليروا آخر ما كتبته.