فان عين الرمانة

منذ ما يقارب السنة، كتبت في زاويتي السابقة "حكي سرفيسات" مقالة بعنوان " فان عين الرمانة". اليوم، وبعد تعرض فانات النقل المشترك رقم 4 للاعتداء من قبل ملثمين في منطقة قصقص، بحجة ردة الفعل على اغتيال رئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن امس، اعيد نشر هذه المقالة.



حكي سرفيسات | «فان»... عين الرمانة

 كان هناك إجماع على رفض الذهاب إلى الطيونة في هذه العاصفة. مضى على وقوفي هنا، عند تقاطع وزارة الإعلام ـــــ فردان، أكثر من عشر دقائق، إلى جانب إخوتي من زبائن الفان الرقم 4، والفانات تمرّ بنا «كلمى هزيمة»، «مفوّلة» بركاب ترتسم الابتسامة ـــــ برغم حشرهم ـــــ على وجوههم. أما نحن المنتظرين مقعداً فارغاً في فان أو «حتى» سيارة سرفيس تقبل بإقلالنا إلى وجهاتنا «البعيدة» جنوبي الخط الوهمي لجسر البربير، فكنا واقفين تحت مظلاتنا، محتمين من المطر الذي بدأ، على وقع الرعد، يصبح أغزر، مهدداً مَن لم يستقلوا «فانات نوح» بالغرق في الطوفان. «طيونة؟»، سألت للمرة العشرين، والسرفيسات ترفض للمرة العشرين، والفانات تمر ممتلئة. فالساعة ساعة انصراف موظفين، والمساء أرخى سدوله. أحاول فهم هذا الإجماع «السرفيسي» على الرفض برغم الحاجة اليائسة إلى ركاب. ربما كان السبب الورشة القائمة منذ شهور عند المستديرة لحفر أنفاق، ما يجعل المواصلات من هناك إلى أي منطقة، وبالعكس، مسألة يجب التحسب لها بالوقت والأعصاب والبنزين، بالطبع. الرعد «يفقع» فوق رؤوسنا. العاصفة بدأت تقوى. قلت: أتحايل على «بسيكولوجيا» السائقين، مستبدلة اسم الاتجاه، وخاصة أن منزلي يقع بين ثلاثة خطوط معروفة للسرفيسات هي بدارو والمستشفى العسكري والطيونة. بداية، لم أقل «بدارو»، لأنها تقع، في عقل سائق السرفيس، في المنطقة «الشرقية»، أي «المسيحية»، وبالتالي بلغة الحرب الأهلية هي نائية، برغم قربها الجغرافي. ثم سألت التالي: «متحف؟». أبداً. جربت أيضاً «مفرق المستشفى العسكري؟». فالاسم «محايد» في عقل السرفيس، مع أنه لا يبعد عن بدارو إلا شارعاً واحداً. عبث أيضاً. كل ما تغير هو أن السائق كان «يصفن» قليلاً، كمن يحاول أن يتذكر مكاناً منسياً، ثم يقول: لا. لكن، لم لا أستقل تاكسي ببساطة؟ تبسمت للعادة اليومية تطغى على الحل البديهي، وخاصة أنه استثنائي. وإذا بسيارة تاكسي تمر بي، وقد كتب على إشارتها المضيئة «تاكسي بدارو». التقت نظرتي بنظرة السائق المتسائلة. فهتفت بسرعة: بدارو؟ وحدثت الأعجوبة: أومأ إلي بالركوب فركبت. ومع أنه «تاكسي»، ومبدئياً مشغول بدليل الراكبة الجالسة في الخلف، إلا أنني كنت مسرورة «بالنجاة»، لدرجة أنني لم أسأله شيئاً. فهو قد يكون رثى لحالي كما يفعل أحياناً بعض السائقين بشهامة حين يصادفون سيدة. وقد يكون «يتكّس» لحسابه بين طلبيتين للمكتب، فطريق العودة إلى المكتب هي هي، فماذا لو أقلّ راكباً أو اثنين على طريقه؟ السيدة في الخلف كانت صامتة، إلى أن وصلنا إلى تقاطع بشارة الخوري، فطلبت النزول «إذا بتريد هون». إذاً هو «يتكّس» بين طلبيتين. ولسبب ما، أحب السائق أن يخبرني بأنه أخذ الراكبة بعد رفض الجميع أن يقلها. البحث عن بطولة عابرة يكاد يكون «عارضاً» يصيب كل الشوفارية. لا أعرف لم لديهم، كما الصيادون أيضاً، هذ الميل. قلت له: «لم لا يقبلون إقلالها، والراكب من فردان إلى هنا يُعَدّ لقطة؟»؛ فالمسافة قصيرة، وتستطيع أن تستقل الفان الرقم 4 الذي يمر من هنا!». وإذا به ينظر إليّ نظرة ذات مغزى، قائلاً وهو يبتسم: «هيدي مش زبونة فان». قلت له: «صحيح طلعة الفان مبهدلة شوية، لكنها تمطر، وهذه وسيلة نقل! شو رح تتجوزو؟». فقال بالابتسامة نفسها: «ما فهمتيني. هيدي ما بتطلع معن. ما شفتيها وين نزلت؟ راس النبع. يعني سنية. من 7 أيار ما بيطيقو بعضن». الفانات والسُّنة؟ لم أفهم! يشرح: «ما الفانات كلن شيعة». تلتقط عيناي خلال ذكره ذلك رفّة في جفونه، كالتردد. كما لو خطر بباله أنني قد أكون من إحدى الفئتين، لكنه ـــــ لسبب ما ـــــ استبعد الفكرة. اعتبرني من «بدارو»... مثله! لم؟ ما هو الشكل الذي يجعل الشخص يجزم بأنك مسيحي أو مسلم؟ أحسست بصعود خبث مواطنيّ ومهنيّ في داخلي، وقررت المضي في غمغمة «هويتي» الطائفية. قلت له: «معقولة هالقد واصلة بينن؟»، فقال وقد اتسعت ابتسامته: «كتير. ما بيطيقوا بعض». هكذا إذاً. أصبحت الفانات الرقم 4 في العاصمة صنواً للشيعة! لم أنتبه إلى هذا الفرز الأوتوماتيكي للنقل المشترك. وفانات طرابلس عكار حلبا؟ للسُّنة؟ هل هو فرز للنقل المشترك، أم فرز مناطقي منذ الحرب الأهلية الأخيرة تكرس بالخوف الذي تستمر الطبقة السياسية ـــــ كالوزير بطرس حرب واقتراح قانونه ـــــ باستخدامه لتعزيز زعامتها القائمة على الطائفية؟ هكذا، يصبح مفروغاً منه إن خطفت فان «الكولا نيحا» أنك تخطف دروزاً، وإن رششت الباص الرقم 24 أثناء مروره على كورنيش المزرعة ـــــ طريق الجديدة، أنك تستهدف السُّنة. أما الضحايا من المسيحيين فعليك بالرقم 5، لكن «الأضمن» فانات الدورة ـــــ جونية ـــــ جبيل. صحيح قد يقع «ضحايا» من غير المستهدفين، من فئة المصرين على السكن في الأماكن المختلطة طائفياً، مثلنا، لكنها أضرار جانبية. المهم أنك في الحرب المقبلة تستطيع أن «تولعها» على أي خط تريد. فكل شيء جاهز: الأرض، الرياح الدولية المواتية، وبوسطات عين الرمانة، مفروزة: أهداف «نظيفة» لأي قناص. أهلاً بالنقل المشترك. العدد ١٣١٠ الاثنين ١٠ كانون الثاني ٢٠١١

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/20/2012 9:38:31 PM

عزيزتنا ضحى، 1- "قصتنا نزهة ريفية ممنوعة ومش قانونية إلخ..." 2- والأهم، في رابط بخولنا نستمتع بقراءة مدونات السرفيسات؟ مع التقدير والشكر، جاد

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم