دمشق | حالة من التعتيم الإعلامي المتعمد، يفرضها السينمائي السوري محمد ملص (1945) على فيلمه الجديد الذي اختار له عنواناً مبدئياً هو «ناموسينما». يرفض صاحب «أحلام المدينة» بشكل قاطع التحدث لـ«الأخبار» عن طبيعة تجربته الجديدة «حتى الانتهاء من عمليات التصوير بشكل نهائي» كما أخبرنا في اتصال هاتفي من مدينة طرطوس الساحلية، حيث يعمل على إنجاز المشاهد الأخيرة للشريط.
ولدى سؤاله عن أسباب التزامه السرية والحذر، حدّثنا عن اعتقال مهندس الصوت غانم المير أخيراً من الفندق الذي يقيم فيه مع باقي أفراد وعناصر الطاقم الفني (الأخبار 6/10/2012). آثر ملص تسليط الضوء على حادثة اعتقال المير بدلاً من التحدث عن تفاصيل فيلمه، قائلاً «لا أجد مبرراً واضحاً لاعتقال الصديق والزميل غانم المير، فهو من أهم وأمهر مهندسي الصوت في سوريا، وسبق له أن عمل في العديد من أنجح أفلام السينما السورية». لعلّ حادثة الاعتقال هذه تفسر، بشكل غير مباشر، التزام ملص الصمت وإبقاء وسائل الإعلام بعيدة عن مراحل إنجاز فيلمه الجديد الذي طال انتظاره. في ما يلي بعض المعطيات والتفاصيل المجتزأة. علماً أنّ الحدث هو عودة أحد أكبر مخرجي السينما السورية والعربية للوقوف خلف الكاميرا بعد غياب طال، وفي هذه المرحلة الحرجة تحديداًُ. يعالج سيناريو الشريط الذي شارك ملص في كتابته الصحافي الشاب سامر محمد إسماعيل، فكرة تقمص الأرواح البشرية، إحدى أكثر الثيمات الروحانية الدينية المثيرة للجدل في الديانات الشرقية، ومنها بعض المذاهب الدينية في سوريا أيضاً. تقوم حكاية الفيلم على تفاصيل حياة فتاة دمشقية تدعى زينة (تلعب الدور جيانا عنيد التي تخرّجت من المعهد العالي للفنون المسرحية العام الماضي) ماتت انتحاراً في نهاية ثمانينيات القرن الفائت، فتتقمص روحها جسد فتاة أخرى اسمها غالية (نجلاء الوزة) التي تنتمي إلى أسرة من الساحل السوري. لاحقاً، سنكتشف أن لعبة التقمص هذه، ما هي إلا مبرر درامي حكائي خلقه كل من إسماعيل وملص، لرصد لعبة تناظر بين أجيال عدة عبر مقاربة ما حدث في سوريا الثمانينيات مع ما يحدث اليوم وفق إسقاطات إنسانية واجتماعية وسياسية متعددة، تلامس جيلاً غاضباً وجد نفسه وجهاً لوجه مع تركةٍ ثقيلة. يظهر ذلك بوضوح عندما تعبر الأحداث من عام 1963 (وصول البعث إلى السلطة) مروراً بمنعطفات سياسية عديدة، وصولاً إلى وقتنا الحاضر، حيث يرصد «ناموسينما» العطب الذي تخلفه مجمل هذه الصراعات السياسية والتقلبات الاجتماعية على أرواح البشر البسطاء. يحاول ملص في رؤيته البصرية والفنية ترجمة المسافة الفاصلة بين جيلين مختلفين تقمصّا خيبات المستقبل ونكسات الماضي، وهو ما يفسّر تعاونه مع كاتب شاب ينتمي إلى جيل مختلف في كتابة سيناريو العمل.
أما عن أماكن التصوير التي وضع خطوطها مهندس الديكور ناصر الجليلي، فقد تنقّل صاحب «الليل» بين بيت دمشقي في سوق «ساروجة» الأثري وسط العاصمة، وصولاً إلى مدينة طرطوس وريفها، بينما يُفترض أن ينتهي الفيلم في بيت دمشقي مستأجر يتقاسم غرفه شبان وشابات من مناطق سورية عدة، من جرابلس والسلمية والجولان والسويداء وحمص ودير الزور. هناك أيضاً شخصية شاب فلسطيني يلعب الملاكمة، وامرأة عجوز. تتداخل حكايات هؤلاء وهمومهم، بينما يرصد ملص من وراء الكاميرا انكسار أحلامهم المتكررة، وتهدم البيوت فوقهم، في بانوراما تلخص مجمل الأوجاع والانكسارات التي يعيشها السوريون اليوم.



إلى بيروت

قبل أيام، أنهى محمد ملص تصوير جميع مشاهد الفيلم. أما العملية الفنية المتبقية من مونتاج ومكساج، فمن المقرر انجازها في بيروت. وقد أعاقت عوامل كثيرة انجاز التصوير، أوّلها الحرب الدائرة في عموم المناطق السورية. مثلاً، تزامن تصوير مشاهد في منطقة ساروجة الأثرية وسط العاصمة مع ما سمي بمعركة دمشق التي اشتعلت في بداية شهر رمضان الماضي. أيضاً، لم تكن الطبيعة كريمة مع صاحب «باب المقام»، إذ دمّرت عاصفة بحرية عاتية منزلاً بناه فريق العمل على شاطئ مدينة طرطوس الساحلية، ما تطلب إعادة بنائه مجدداً قبل مواصلة التصوير.