هذه السنة، سيصل «مهرجان العود الاسرائيلي» سن البلوغ (سن الثالثة عشر) بعد 12 عاماً سار خلالها على الأجندة الصهيونية سيراً موفقاً. أعوام تتلخص في محاولات سرقة الموروث الموسيقي العربي أولاً، و«احتضان» موسيقيين فلسطينيين ثانياً كتعبير عن «التعايش بين الشعبين». بحسب الشريعة اليهودية، يقام لكل شاب بلغ الثالثة عشر احتفال يدعى احتفال «البار متسفا». كلمة «متسفا» تعني فريضة، أي أنّه يصبح منذ الان مكلفاً بتأدية الفروض الدينية بحسب الشريعة اليهودية. والسؤال: أي فرائض ستفرض على المهرجان؟ نوايا هذا المهرجان غنية عن التعريف، لقد نُشرت سابقاً مقالات كثيرة تنبه إلى خطورته، وأعتقد أنّه لن يمضي الكثير من الوقت حتى يجهر منظموه بما حاولوا اخفاءه طيلة هذه الاعوام: سنقوم بتبني كل ما قمتم بتلحينه وعزفه الى أن ننسى كلانا وجود أي علاقة تربطكم بها. تلك هي مقولة المهرجان الداخلية.
أما الخارجية فهي موجهة لكل شعوب الارض: عن أي احتلال تتحدثون؟ ألا ترون جمالنا وانسجامنا وتعايشنا حين نعزف سوية على خشبة المسرح في القدس؟
الفرائض والتوصيات التي سيلتزم بها المهرجان فُرضت منذ اليوم الاول، لم تكن بحاجة الى سن بلوغ أو أي احتفال. لكن في المقابل، ألم يبلغ اولئك المشاركون الفلسطينيون تلك السن بعد؟ وهل علينا اعادة التنبيه بخطورة الاشتراك به بدلاً من تكريس الجهود والاهتمام بقضايا أخرى؟ ألم يحن الوقت الذي فيه نصحو من كابوس طفل يهودي يغني «يا جارة الوادي» ويمنع غيره من غنائها حين يكبر؟ في هذا السنة سيقوم مغنّون يهود بتأدية أغانٍ لاسمهان وليلى مراد بمرافقة مجموعة عازفين عرب. في المستقبل القريب جداً سيتخلى اليهودي عن خدمات العازف الفلسطيني وسيستبدله بعازف يهودي. وفي المستقبل البعيد سنطلب من المحتل تأشيرة خاصة لتأدية أغنيات «كانت عربية يوماً ماً».
أكاد أجزم أنّ هذه التنبيهات ستتكرر كل سنة قبل موعد المهرجان (8 ـــ 17 ت2/ نوفمبر هذه السنة) وستلاقي بعض الانزعاجات والاستنكارات على الفايسبوك لفترة بسيطة تختفي بعد انتهاء المهرجان. سيُطلب من المشاركين الفلسطينيين مقاطعة المهرجان، وهم بدورهم لن يكترثوا لخطورة الأمر (عدا حالة واحدة حتى اليوم) فالاستهتار بات موضة العصر. سيجلس العازفون العرب كالدمى على المسرح في القدس منتظرين رضى الجمهور اليهودي وأموال المموّل السخية بعد انتهاء العرض. ما الحل اذاً؟
الحل بسيط، لا نستطيع منع «اسرائيل» من إقامة المهرجانات ولا يهدف هذا المقال الى البحث في كيفية منعها. برأيي، علينا البلوغ والبدء باحلال الفرائض. يتوجب تعديل بعض التغييرات في «استمارة» طلب المقاطعة، يتوجب الكف عن مطالبة الموسيقيين بمقاطعة الاسرائيليين والامر مفروغ منه. الحل يكون باشراك الناس في الامر، فالثقافة والفن ملك الناس وكل من يمارس هذه المهنة ليس سوى خادم صغير عند شعبه، مقاوم يسهر على حدود ثقافة شعبه وحفظ وصيانة موروثه من السرقة. يجب أن نطلب من الجمهور العربي المقاطعة وليس من الفنانين. وفي هذه الحالة، يُطلب من الجمهور مقاطعة المتخاذلين أمام المحتل. عندها فقط، سيختار أي مشارك عربي بين خسارة أجر الاشتراك في المهرجان وبين خسارة الناس.
على لجان حملات المقاطعة الانتقال من مرحلة الطلب والرجاء الى مرحلة الحرب عبر تغيير عنوان الرسالة. يجب أن ترسل دعوة المقاطعة إلى القارئ والمستمع والمشاهد وليس للفنان أو الكاتب أو المخرج العربي، يجب أن يقاطع الناس الفنان المطبّع مع اسرائيل. يجب اطلاع الناس واستغلال قوتهم الكامنة في المقاطعة ربما عبر تقرير شهري أو فصلي يفضح المطبّعين وكل من كانت أوهام الشهرة والأموال أساساً في بناء موقفهم المشين.

* موسيقي من الرامة ـــ فلسطين المحتلة