قبل أشهر من الآن، لم يكن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، في وارد القبول بفكرة التمديد له مديراً عاماً، أو البقاء في منصبه لحظة واحدة بعد الأول من نيسان عام 2013. كان يردد دائماً أمام سائليه: لا شيء يبقيني في منصبي، سأغادر مكتبي احتراماً للقانون وللنفس وحفظاً للكرامة. وحين كان يُسأل ريفي عمّا إذا كان سيستقيل من منصبه مسبقاً للترشح للانتخابات أو ليرأس لائحة قوى 14 آذار في طرابلس، كان يجيب بالنفي المطلق، قائلاً: «سأبقى إلى آخر دقيقة في مكتبي مديراً عاماً لقوى الأمن، ولن أبقى بعد الأول من نيسان دقيقة واحدة، ولن أترشح للانتخابات النيابية أبداً».

في الأول من نيسان، يكون ريفي قد أمضى ثمانية أعوام مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي و40 عاماً في السلك العسكري، وهي مهلة وجدها كافية لترك الخدمة العسكرية والانتقال إلى مرحلة جديدة.
في ذلك الوقت، كان ريفي يُعدّ اللواء وسام الحسن لخلافته في منصبه، على قاعدة إمكان فوز قوى 14 آذار في الانتخابات النيابية المقبلة، وأنّ الحسن لديه الخامة الصالحة ومهيأ لمثل هذا المنصب.
قلب اغتيال الحسن قبل شهرين مخططات ريفي، فتغيرت المعطيات كلياً. والأمور التي كان حسمها نهائياً لم تعد نهائية، وبات أمام استحقاقات أمنية وسياسية مضطراً إلى التعامل معها بواقعية.
اليوم، قبل ريفي بالتمديد له بحسب معلومات «الأخبار»، وأبلغ موافقته إلى جميع المعنيين، لكن وفق معايير وشروط مختلفة.
كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان أول من فاتح ريفي بموضوع التمديد، بحسب ما ينقل زوار الأخير عنه، أثناء اجتماع قادة الأجهزة الأمنية، قائلاً له ولقائد الجيش العماد جان قهوجي: «قدَرنا أن نكمل المشوار معاً».
لاحقاً، طلب الرئيس سعد الحريري من ريفي الاجتماع به في السعودية، وتحدث معه عن أهمية التمديد، قائلاً له: «أعرف موقفك وأتفهمه. لكن اغتيال اللواء وسام الحسن وضعنا أمام معطيات مختلفة. والمرحلة تقتضي أن تتحمل المسؤولية من خلال التمديد لك سنة أو سنتين على الأقل حتى يتهيأ أحد مكانك».
وفقاً لطلب رئيس الجمهورية والحريري، قبِل ريفي التمديد. لكنه يقول أمام زائريه: «المعطيات الجديدة غيرت كل شيء، لكنني لم ولن أطلب شيئاً من أحد. إذا أخذ التمديد مجراه الطبيعي، فليكن وإلا فلن أطلب أي أمر من أحد. وقطعاً لن أطلب التمديد».
خلال المشاورات والاقتراحات التي جرى تداولها، طرح سليمان والحريري على ريفي أن يعود مديراً عاماً بلباس مدني، أي من خلال تعيينه في مجلس الوزراء بعد انتهاء ولايته في الأول من نيسان. فالقانون يجيز تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي والأمن العام من المدنيين. لكن ريفي رفض ذلك؛ «فإما أن أبقى عسكرياً وأتعاطى ببزتي العسكرية مع أفراد قوى الأمن وضباطه من موقعي العسكري، وإلا فلن أقبل».
يشترط ريفي بعد قبوله مبدأ التمديد أن يكون التمديد لفترة انتقالية، وهو يرفض التمديد إلى حين تقاعده في الرابعة والستين من عمره (عمره حالياً 59 عاماً). وهو سيقبل التمديد سواسية مثله مثل قائد الجيش، أي سنة أو سنتين لكل منهما، كما الاقتراح القائم بالتمديد لكل من هو برتبة لواء أو عماد، لا أكثر ولا أقل.
كذلك رفض ريفي أي مساومة تقضي بأن يعود إلى منصبه لاحقاً بعد انتهاء ولايته. كان حاسماً في رفضه: «إما التمديد مسبقاً، أي قبل الأول من نيسان، وإلا فلا عودة إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بعد ذلك التاريخ مهما كانت المغريات والمطالب. إذا خرجت من المؤسسة، فلن أعود إليها».
تبعاً لذلك، ما هي المعطيات المتوافرة التي ينقلها زوار ريفي؟
بحسب المعطيات، شكلت أخيراً لجنة مهمتها التواصل مع جميع المعنيين من الأفرقاء السياسيين لبتّ التمديد لكل من قهوجي وريفي. في ما يتعلق بريفي، المهل باتت محصورة بالأشهر الثلاثة المقبلة. وهذا يعني أن أمام الأكثرية والمعارضة استحقاق داهم، لا مجال إلا لمقاربته سريعاً إذا أراد الطرفان تفادي الفراغ في المؤسسات العسكرية والأمنية. في المعطيات أيضاً، أن اللجنة خلصت إلى استنتاجات مشجعة، لا بل مؤيدة لدى رئيس الجمهورية والرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحزب الله والنائب وليد جنبلاط. لكن الإخراج الشكلي يحتاج إلى بلورة عاجلة، ولا سيما أن التمديد يحتاج إلى مشروع قانون يقترحه مجلس الوزراء ويحيله على مجلس النواب أو اقتراح قانون يرفعه عشرة نواب بصفة معجل مكرر لاستعجال بتّه في جلسة عامة لإقراره بالأكثرية المطلقة. والمشكلة أن العقد العادي للمجلس النيابي يبدأ في منتصف آذار المقبل، إلا إذا كانت ثمة نية بفتح عقد استثنائي بدءاً من الشهر المقبل.
والمشكلة الثانية هي أنه حتى لو صدر مرسوم بفتح دورة استثنائية، فإن قوى المعارضة ترفض حضور الجلسات النيابية العامة، إلا إذا قضت التسويات السياسية أن يحضر نواب المعارضة جلسة يتيمة لإقرار مشروع التمديد لقهوجي وريفي معاً. أما المشكلة الثالثة، فتكمن أيضاً في كثير من العصيّ التي يمكن أن تضعها بعض الأطراف في دواليب التمديد لأيٍّ كان.