في مثل هذا اليوم قبل عامين، نشرت في هذه الزاوية مقالة عنوانها «عن ضرورة التمرد». يومها، كانت تونس الخضراء تنادي مصر الأم، وكانت رائحة الياسمين تفوح من ثياب العمال والفلاحين. هوى حكم بن علي وتبعه مبارك. امتلأت الصدور العربية بنفس واحد. ثم فجأة، انتهت اللحظة. تحركت ليبيا وتدخل الناتو. صرنا نصارع تناقضاتنا. وبينما كنا غارقين في «فذلكاتنا» الوجودية، كانت الطائرات الأميركية تقصف الأراضي العربية. سقط نظام القذافي وأتى مكانه نظام آخر. كان القذافي قد عزل ليبيا عن العالم واستولى على خيراتها. أما اليوم، فقد انفتحت ليبيا وعمّت الديموقراطية انحاء الوطن... على الأقل، هذا ما نظنه. فمن يسمع عن ليبيا هذه الأيام؟ من يعلم من يستولي على ماذا؟ من يعرف شيئاً عن الحكم والحكام والقبائل والعشائر والنفط والغاز والماء؟ آخر ما سمعناه كان عن عملية بنغازي التي قتل فيها السفير الأميركي. وللأمانة، كانت أميركا في غاية التسامح والتفهم. تصوروا لو حصلت هذه الحادثة في لبنان، لكانوا أرسلوا الأسطول السادس وعينوا ديتليف ميليس رئيساً للجمهورية. أتت تظاهرات البحرين (السلمية من جهة واحدة، فالقوات الحكومية لا مشكلة لديها في استعمال العنف ما دام لا يزعج كيم كارداشيان)، مصحوبة بجولة جديدة من النفاق السياسي. جاءت انتفاضة اليمن وعملية التجويع الممنهج للثورة ومن ثم اختطافها لمصلحة المندوب السامي السفير الأميركي. اشتعلت سوريا وصارت الجرح الدامي. في فلسطين الجرح الدائم، رأينا رقعة المستعمرات تتوسع وسقف التنازلات يرتفع. سمعنا بعض «ثوار» سوريا واليمن يطلبون العون من مغتصب فلسطين. شاهدنا من كان قد ترعرع في كنف المقاومة ينام في حضن ملوك النفط. اليوم أكثر من أي وقت آخر نحن بحاجة إلى المزيد من التمرد على من باع الثورة ليكسب الحكم.