كثر الكلام في السنوات الأخيرة على الأمن الغذائي العربي. وترافق هذا مع تزايد عدد المبادرات التي تتمحور حول الأمن الغذائي العربي، كالمبادرة القطرية على سبيل المثال لا الحصر. وإلى كل ذلك، تضاف الندوات والمؤتمرات التي تعقد دورياً والتي تجمع الخبراء المحليين والغربيين للتشاور في موضوع الأمن الغذائي العربي وتقديم أوراق البحث العلمي. وبغض النظر عن صدقية الكلام عن الفقراء والجياع في صالات فنادق فخمة وحول موائد تغطيها أطباق مصيرها القمامة، هناك إيجابيات واضحة لهذا الاهتمام الفائض. لعل أهمها هو تجديد الكلام على «العالم العربي». ورغم أن منظمي المؤتمرات من بنك دولي وأمم متحدة وغيرها، إلا أنهم أبعد ما يكونون عن القومية العربية. لا شك أن الانتفاضات العربية فرضت واقعاً أدى إلى انحسار الكلام على «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، أو غيرها من التسميات السياسية الغربية، لمصلحة الاعتراف بالرابط العربي بين البلدان المعنية. أما عن محتوى المؤتمرات، فلا ينحرف عن المقاربات التقليدية الغربية لموضوع الأمن الغذائي الذي تروجه المنظمات الدولية. والحوار يتمحور عادة حول تنظيم وزيادة التجارة العالمية وفتح الأسواق من جهة، وزيادة الإنتاج الزراعي التصديري الذي يرتكز على استثمارات رأسمالية تستعين بالتقنيات الحديثة المستوردة من جهة أخرى. ويغيب عادة عن الخطاب التقليدي الكلام على إعادة توزيع الموارد وتصحيح موازين القوى بين البلدان المصدرة للغذاء (القارة الأميركية) والبلدان المستوردة (العالم العربي)، وعلى التكامل الزراعي العربي ودعم وترويج نظم التغذية المحلية الملائمة للصحة والبيئة والثقافة. قد تكون هذه المواضيع البالغة الأهمية سقطت سهواً من أولويات البحث، وهذا ما يجب تصحيحه سريعاً. كذلك قد تكون جرى تجاهلها عمداً لأنها تفتح أبواباً يفضل أصحاب السلطة إبقاءها مغلقة. وفي هذه الحال، قد يكون آن الأوان لاقتحام «باستيي» bastille خطاب الأمن الغذائي العربي.