يحيط الشيخ نفسه بالنساء، تطغى قتامة عباءته على ألوان «فولاراتهنّ». مقدمة كلمته أربع صفحات. تكاد أنفاسه أن تنتهي، ولا ينتهي من تعداد جدول أعمال المؤتمر الذي عقد في شهر نيسان الفائت بدعوة من «جامعة طرابلس» للبحث في «مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري» الذي أقرّته حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة ـــــ «سامحها الله» يقول الشيخ ـــــ وأحالته إلى المجلس النيابي، أملاً بإقراره «لا سمح الله». والشيخ بالمناسبة هو رئيس «جامعة طرابلس» محمد رشيد ميقاتي. يدخل شيخ إلى القاعة ويخرج آخر، تنام سيدة وتتثاءب أخرى، فيما عينا ميقاتي ثابتتان بين الأسطر لا تتزحزحان، تماماً كنبرة صوته: بحجة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل يحاولون انتهاك أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالقوامة والولاية والنسب والمواريث.
الشيخ غاضب من الأحزاب العلمانية التي تسعى إلى إقرار الزواج المدني. ويحذر أهل الدين من «القوانين الوضعية التي نصّبت نفسها مشرّعاً عن الخالق عز وجل»، داعياً إلى إسقاط «محاولات إقصاء أحكام الشريعة الغراء بحجج واهية تدّعي حماية الأسرة».
يطمئن الشيخ الحاضرين بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة، معهم «قوة الله» والنائبة بهية الحريري «التي ترفض تمرير مشروع يفكك الأسرة ويشجع نشوز (؟) الزوجات وتكريم عقوق (؟) البنات». لا! يخرج الشيخ رأسه من الورقة ليرتجل: «لا، لن نكون كالغرب الساقط. فليرحل المعجبون بالفكر العلماني الفاسد إلى الغرب».
و«لا!» أخرى؛ يعجز الشيخ والحاضرات حوله عن التصديق: «كيف يطلب من المرأة أن تشتكي على زوجها عند القوى الأمنية، إذا أنّبها. ومن سيعيل أبناءها في حال سجن الزوج (يبدو أن المرأة بنظر الشيخ لا تعمل) ومن سيربّي الأبناء (فهي لا تحسن التربية أيضاً)». يهز الجالس بقربه، ممثلاً نقابة الصحافة، رأسه موافقاً ويناوله كوب مياه. يشرب، تلمع عيناه ويَعِد: «حين سيخرج الرجل المعتّر من السجن لن يكون ملاكاً، سيلعن أباها وأبا الذي خلفها».
«الزوجة في الإسلام تطيع زوجها بالمعروف»، يقول ميقاتي وتوافقه الحاضرات: «مسخرة»، تقول إحداهن. «مهزلة» تضيف أخرى. «فضيحة» تؤكد ثالثة في معرض ترجمتهنّ المواد الواردة في القانون والتي تتناقض مع مبدأ الطاعة.
يطالب ميقاتي الرئيس نجيب ميقاتي باسترداد المشروع. وبما أن «الجامعة» استأجرت القاعة الصحافية فلتعرض جميع مطالبها، وأهمها: «ضبط عمل وحدة الصحة الإنجابية الجنسية في وزارة الشؤون الاجتماعية التي تروّج بطريقة غير مباشرة للزنا والإجهاض». والأوقح أنها «تتجرأ على توزيع الواقي الذكري».