عبّر الناطق باسم المحكمة الدولة مارتن يوسف عن انزعاجه الشخصي الشديد من نشر «الأخبار» لوائح من شهود فريق الادعاء في المحكمة الدولية. الرجل حرص على القول إنه يتحدث عن رأيه الشخصي. طبعاً هذا لا يعني أن رؤساءه في لاهاي يرحبون بما أقدمت عليه «الأخبار»، ولا هم بغافلين عن مساعي نافذين في المحكمة لملاحقة «الأخبار» قضائياً بتهمة «تحقير المحكمة»، ونشر وثائق تعرّض إجراءات العدالة للسلامة، وتعرّض أيضاً الأشخاص للخطر.
أما في الجانب السياسي، فإن فريق الادعاء السياسي، المتمثل في تيار «المستقبل» وقوى 14 اذار، قرر مسبقاً الحكم على «الأخبار» بأنها تسعى الى عرقلة العدالة الدولية. فكيف اذا كان بين هذا الفريق من يعتقد ان «الأخبار» انطلقت اصلاً لمواجهة المحكمة؟
لكن الى جانب هؤلاء، تلقت «الأخبار» أسئلة من سياسيين وحقوقيين واعلاميين وامنيين، الى جانب بعض الذين وردت معلومات شخصية عنهم. وكل هذه الاسئلة تركز على الهدف من وراء هذا النشر، واذا كان يخدم اي جهة معنية بالأمر، مع التركيز على أن «الأخبار» تخرق القانون.
قد يكون من المفيد هنا الاشارة الى عدة أمور في معرض شرح ما يجري:
أولاً: إن «الأخبار» مثلها مثل اي وسيلة اعلامية تنشر ما تراه ملائما لخطها التحريري. وهي لا تتهرب من مسؤولياتها إزاء الجميع. وقد حصل أن نشرت «الأخبار» خلال السنوات الست الماضية العشرات، إن لم يكن المئات، من الوثائق التي تقع تحت عنوان «خرق السرية»، لكن «الأخبار» مثل اي صحيفة في العالم لا تحتاج الى تذكير الجمهور، بأن كل شيء يندرج تحت عنوان «الحق العام»، سوف تتعامل معه على اساس انه من حق العموم، وبالتالي لن تتأخر عن نشر كل ما تتأكد من صحته. وحتى ولو وقع خطأ ما، فلدى «الأخبار» من الجرأة ما يكفي لتحمل المسؤولية. (طبعاً لا نقصد بالعبارة الأخيرة ما خص النائب عقاب صقر، فنحن ما زلنا بانتظار تبغلنا من القضاء المختص مضمون الدعوى التي رفعها هو والرئيس سعد الحريري، حتى نقول ما يجب أن نقوله).
ثانياً: إن ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدد اخر من القادة اللبنانيين، هو شأن عام بامتياز. وقد مرت سنوات عدة على انطلاقة التحقيقات، وتنوعت من لجان تقصي الحقائق الى لجان تحقيق محلية ودولية، الى محكمة دولية. وفي كل مرحلة، كانت التسريبات هي السمة العامة لعمل كل هذه اللجان. حتى بات بمقدور المراقب ان يكون مطلعاً على كل اوراق المحكمة الواردة بالتتالي، دونما حاجة الى انتظار المحاكمة التي سوف تكون مميزة بغرائبيتها، لناحية سريتها وسرية شهودها وسرية أدلتها وسرية المحققين فيها الى آخر المعزوفة.
ثالثاً: لم تكن «الأخبار» المبادرة الى نشر الوثائق والمعطيات ذات الاهمية المتصلة بعمل المحكمة، إذ تطوع فريق كبير من السياسيين والامنيين والاعلاميين اللبنانيين والعرب والدوليين بنشرها في وسائل اعلامية مختلفة. ومن بينها اوراق عمل تمثل الان العنصر الاساس في عمل الادعاء. وقد سبق لرئيس لجنة تحقيق هو ديتليف ميليس أن نشر افادات شهود علناً في تقاريره، كما سربت اوساط فريق الادعاء السياسي في لبنان معلومات مبكرة الى وسائل اعلام في فرنسا والمانيا عن مضمون الاتهام الذي وجه لاحقاً الى قادة في المقاومة وحزب الله، كما عمل الفريق بجناحيه السياسي والقضائي على حجب المعلومات عن المتضررين من اخطاء فرق التحقيق، وذلك لمنع اي ملاحقة للمتورطين، سواء في ملف شهود الزور او في ملفات اخرى. ثم لم نسمع من المحكمة او ما سبقها أي اجراء قانوني او اداري ذي قيمة، بما في ذلك ما نشرته محطة كندية من محاضر يرد فيها اتهام ضمني الى العميد وسام الحسن، بأن شبهة تحوم حوله بسبب تغيّبه عن موكب الرئيس الحريري. علما أن الرئيس سعد الحريري قرر من تلقاء نفسه تبرئة الحسن من اي اتهام، ولو صدر عن اوراق رسمية تخص المحكمة الدولية، التي يمنحها ثقته لتحصيل حقه الشخصي وحقه العام في معاقبة قتلة والده.
رابعاً: اذا كان في لبنان او المنطقة او حتى في لاهاي من يعتقد بوجود اسرار او معلومات غير معلومة من جانب من يرغب في أن يعلم، فهو واهم ومخطئ، إن لم يكن مخبولاً ومعتداً بنفسه اكثر من اللازم. وبالتالي، فإن اكثر من الفي شخص جرت دعوتهم الى مقابلة محققين ايام لجنة التحقيق، او بعد إنشاء المحكمة، وبين هؤلاء المئات ممن قرر الادعاء اعتبارهم من الشهود، وهؤلاء جميعاً سبق لهم أن أبلغوا جهات رسمية او حزبية او امنية او اعلامية ما جرى معهم. أما الذين اعتقدوا انهم نظموا صفقات سرية مع فريق الادعاء، فهم ايضا تورطوا في قدر كبير من الثرثرة، قبل ان يتولى احد معين من داخل فريق المحكمة تسريب المعلومات الخاصة بهم. وهو التسريب الذي امكن «الأخبار» الاستفادة منه لنشر ما ترى انه ضروري في مواجهة الة آلتزوير الدولية ضد المقاومة.
خامساً: ان كل عمل لجان التحقيق اللبنانية او الدولية وصولا الى عمل فريق الادعاء في المحكمة، لم ينل احترام غالبية الحقوقيين في لبنان والعالم، كما لم ينل اعجاب المحترفين في العمل الامني، ولم ينل كذلك احترام غالبية عظمى من الشعب اللبناني ومن شعوب اخرى، بسبب القدر العالي من التسييس، الذي ادى الى شن حملة اتهام سياسي تسببت بضرر بالغ لأشخاص وشركات وجهات ودول، ليس أقلها فظاعة الاعتقال التعسفي، الذي اصاب الضباط الاربعة واخرين في سجون 14 اذار. وبالتالي، فان منطق العدالة ليس حقيقياً في هذا المجال، ولا تستطيع «الأخبار» التصرف بحيادية مع امر لا يزال يُستخدم ذريعة لبث التفرقة بين اللبنانيين، او للتسبب بصدامات اهلية والنيل من المقاومة، التي تدفع ثمن انتصارها على قوى الإرهاب العالمي في اسرائيل واوروبا واميركا. وهؤلاء هم الذين يُشرفون من اليوم الأول على كل ملفات التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
سادساً: إن الوثائق المتوافرة بشأن عمل المحكمة، اداريا وماليا قبل الجانب القضائي والجنائي، هي من السوء بمكان، يضطر اللبنانيين الى المطالبة بتقديم كشوف تفصيلية حتى الملل، عن كيفية إنفاق الاموال المحصلة من المواطنين غصباً، ويجري تهريبها ليلاً الى المحكمة الدولية، وخصوصاً ان هذه الوثائق تدل على عملية الاستغلال المنظمة التي يديرها البعض لأجل تحقيق اهداف سياسية واهداف شخصية من وراء هذا العمل، علما ان مسؤولين بارزين سبق ان استقالوا من المحكمة، وأُجبروا ولا يزالون يجبرون على عدم تقديم اي رأي او تقويم لآليات العمل التي شهدوها. فكيف الحال ونحن في لبنان نعاني نقصاً هائلاً في الامكانيات المطلوبة لبناء جسم قضائي يساعد على بناء مجتمع سليم. ثم لعلمنا وعلم القيمين على اعمال المحكمة، أن المادة الاساسية التي يستند اليها الادعاء العام اليوم، هي من انتاج فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، وبالتالي، فإن ما أُنفق حتى الان من عشرات الملايين من الدولارات لم يحقق اي نتيجة غير اعمال ترتيب الملفات والاقامات والمكاتب للموظفين على اختلاف رتبهم.
اخيرا، وجب التوضيح بأن المقالة التي نشرت بتاريخ 15/1/2013، وأرفقت بلائحة اولى من شهود المحكمة، كانت من اعداد كاتب هذه السطور، والزميل حسن عليق، وسقط اسماهما عنها سهواً. وما أوجب التوضيح محاولة نافذين في المحكمة الدولية الإساءة الى الزميل عمر نشابة.