أكدت موسكو نيتها توسيع الاتصالات مع قوى معارضة جديدة، وشددت على ضرورة الحوار بين أطراف النزاع، في وقت أعلنت فيه دمشق، أيضاً، انفتاحها على الحوار مع المعارضة، مع تأكيدها أنّ «خروج الأسد» غير خاضع للنقاش. بالمقابل، استبعد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل التوصّل إلى تسوية في سوريا. وجدّدت دمشق تأكيد انفتاحها على جميع القوى السياسية المعارضة في الداخل والخارج، بمن فيهم المسلحون عند إلقائهم السلاح. وأعرب رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي، في تصريح صحافي عقب اجتماع لمجلس الوزراء، عن تأكيده أنّ الحكومة السورية «جادة في إنجاز البرنامج السياسي لحلّ الأزمة، وأن الاجتماعات متتالية ومستمرة من أجل وضع الآلية التنفيذية المرتبطة بالزمن لهذا البرنامج».
بدوره، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية، قدري جميل، أنّ موضوع بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم حتى نهاية ولايته أمر مرتبط به فقط، مستبعداً أن «يكون هناك أيّ بند في العملية الانتقالية، التي ستنطلق قريباً، يتضمن عدم ترشحه لفترة رئاسية أخرى». وفي مقابلة مع وكالة «فارس» الإيرانية، رأى أنّ «أي إخلال بمركز الرئاسة قبل بدء الحوار وانتهائه مقصود منه إجهاض الحوار وعدم الخروج به إلى النور، لذلك يجب استبعاد الشروط التعجيزية، من قبل بعض الجهات المعارضة التي تشترط تنحي الأسد قبل الدخول بالحوار».
من جهته، أوضح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أنّ الدبلوماسية الروسية تريد توسيع الاتصالات مع المعارضة السورية، «التي لم نتواصل معها حتى الآن». كما أعلن بوغدانوف أنّ النزاع في سوريا قد «يطول». وأعرب عن اعتقاده بأنّ النزاع المسلح في سوريا قد يستمر سنتين إضافيتين، مشيراً إلى تضارب كبير في التنبؤات في هذا الشأن. وأضاف «تحدثت للتوّ إلى سفيرنا في دمشق، وقال إنّ الوضع أصبح أكثر هدوءاً في الأيام الأخيرة»، مشيراًَ إلى أنّ السلطة لم تفقد السيطرة على الوضع.
في السياق، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنّ تحسن الوضع الإنساني في سوريا بحاجة إلى وقف العمليات القتالية، قبل كل شيء من جانب فصائل المعارضة والحوار بين الأطراف المتقاتلة. جاء ذلك في تعليق لدائرة الصحافة والإعلام في الخارجية، نشر على خلفية مناقشات مجلس الأمن الدولي حول وضع حقوق الإنسان والوضع في المجال الإنساني عموماً في سوريا.
في موازاة ذلك، قال وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، إنّ حجم العنف الذي تستخدمه الحكومة السورية يعني أنّ التوصل إلى تسوية من خلال التفاوض أمر غير متصور. وتساءل الفيصل، في مؤتمر صحافي، عن كيفية تصور إمكانية التوصل إلى تسوية من خلال التفاوض «مع أحد يفعل ذلك ببلده، وبتاريخه، وبشعبه». ولفت إلى أنّ «النظام السوري يحاول إقناع العالم بأن الشعب يؤيده، وبأنّ المعارضين مجرد إرهابيين وهو لا يزال يزهق أرواح الناس وينشر الدمار، ولا يبدو أنّ هناك أفقاً للحلّ بين الحكومة السورية والمعارضة»، موضحاً أنّ «الدول العربية أصيبت بخيبة أمل من جراء التفاوض مع الحكومة السورية»، مشيراً إلى أنّ «الوضع يضعنا في مأزق حقيقي».
من ناحية أخرى، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وموفده إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي «القوى الخارجية» التي تسلّح الحكومة السورية والمعارضة. وأعرب الرجلان، اللذان التقيا في نيويورك، عن «قلقهما العميق» أمام حصيلة القتلى منذ 22 شهراً للأزمة في سوريا، وكذلك أعربا عن سخطهما أمام عجز القوى الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي عن التوحد من أجل إنهاء العنف، والشروع نحو عملية انتقالية.
وفي سياق منفصل، أكد دبلوماسي روسي لوكالة «فرانس برس» أنّ حوالى مئة روسي يرغبون في مغادرة سوريا يستعدون للتوجه إلى موسكو جواً من لبنان أمس الثلاثاء واليوم. وشدّد على أنّ الأمر لا يعني إطلاقاً خطة لإجلاء الرعايا معدّة من قبل موسكو. وقال «هناك آلاف المواطنين الروس في سوريا. المشكلة هي أنّ الرحلات الجوية لم تعد تقلع من دمشق، لذلك نحاول مساعدة مئة أو 150 على الأكثر على مغادرة سوريا عن طريق بيروت بسبب قربها».
إلى ذلك، أعلن الائتلاف السوري المعارض، في بيان عقب انتهاء محادثاته في اسطنبول، أنّه سيشكل «لجنة للتحرك الدبلوماسي والضغط على الأمم المتحدة بغرض إيقاف تسليم المؤسسات الرسمية السورية أي معونات تم إقرارها ضمن خطة الاستجابة للمساعدات الإنسانية الشهر الماضي».
ميدانياً، ذكرت وكالة «سانا» أنّ عناصر الجيش السوري نفذوا عملية نوعية في مدينة دوما بريف دمشق، دُمرت خلالها سيارتان بمن فيهما من مسلحين وذخيرة وأسلحة. وأشارت الوكالة إلى استمرار العمليات العسكرية ضد المسلحين في داريا، والحجيرة، والذيابية، والبحدلية، في ريف دمشق. ولفتت إلى أنّ وحدة من عناصر الهندسة أبطلت تفجير عبوات ناسفة زرعها مسلحون في شوارع داريا.
من جهتها، ذكرت وكالة الأنباء الروسية «نوفوستي»، نقلاً عن مصدر سوري، أنّ القوات السورية باتت تسيطر على نحو ثلثي مدينة داريّا، وأنها تحاصر نحو ألف عنصر من المعارضة المسلحة، من بينهم قادة المجموعات.
في المقابل، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مواقع للمعارضة السورية تعرّض مدينة عربين، وبلدة الحمورية، ومناطق في الغوطة الشرقية لغارات جوية نفذتها طائرات حربية سورية.
في السياق، اتهمت دمشق تنظيم القاعدة بتنفيذ التفجير الانتحاري في السلمية، في ريف حماه، الذي أودى بحياة العشرات. وكان مصدر رسمي سوري قد أكّد أنّ «التفجير الإرهابي الانتحاري تسبب بمقتل العشرات». وأضافت وزارة الخارجية، في رسالتين متطابقتين وجهتهما إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، أنّ «هؤلاء الإرهابيين الذين يتباهون بأن لا جنسية ولا هوية لهم، يتدفقون بشكل أساسي عبر بعض دول الجوار، وعلى الأخصّ من تركيا التي فتحت أبوابها لكلّ إرهابيي العالم للدخول إلى سوريا دون قيد أو شرط». وجدّدت دمشق مطالبتها مجلس الأمن بـ«إدانة هذه الأعمال الإرهابية في سوريا، وأينما حدثت في أيّ مكان من العالم».
(أ ف ب، رويترز، أ ب، سانا)