نزهة خلوية في بلاد الحرب الاهلية

يتسابق اللبنانيون مع ما يحصل لهم. لا يكادون يُدهشون لحادثة، حتى تباغتهم التالية قبل أن يتسنى لهم هضم الأولى واستيعابها. من العاصفة الثلجية التي أغرقت شارعاً بأكمله في حي السلم، الى محاولة إغتيال فيصل كرامي خلال مرور موكبه بين معتصمين سلفيين، بعد سلسلة من القنابل الصوتية التي رميت في منطقة أبو سمرا وأماكن أخرى في عاصمة الشمال، إلى حوادث سجن رومية: من إعدام معتقل على يد زملائه النزلاء إلى محاولة هروب بالحبال ضبطت في اللحظة الأخيرة الخ..وفي حين ظن اللبنانيون أن زحمة السير الخرافية كانت أسوأ ما يمكن أن يحصل لهم في يوم العطلة الخميس الماضي، غطّى على كل ذلك مشهد بعض أهالي كفرذبيان يقطعون طريق التزلج عن الشيخ الصيداوي أحمد الأسير وصحبه، الآتين لقضاء يوم عطلة «بما يرضي الله» على تلال فاريا، بحجة..أن للزيارة أصولاً، دون أن يوضحوا ما هي تلك الأصول، أو لماذا يسمون نزهة لبناني في منطقة لبنانية زيارة، كأنه والخمسمئة شخص معه، سيحلون ضيوفاً على منازل أهالي كفر ذبيان شخصياً، لا على منحدرات التزلج! وكأن الخبر وحده لم يكن يكفي لنهار اعتاد اللبناني أن يكون مرصوفا بالأخبار الأمنية، فإذ بخبر عن مقتل مواطنين من بلدة لاسا الشيعية في أعالي جرد جبيل، برصاص مواطن من بلدة مارونية مجاورة، بسبب التزاحم على افضلية المرور، كما قيل، ينزل على رؤوسهم! ما الذي يحصل؟ هل هو مجرد تسارع وقائع موت معلن للدولة اللبنانية التي تحاول صياغة انحدارها بقانون إنتخابي يصبح مستحيلاً لشدة الإنقسام؟ هل هو التوتر المذهبي الذي أصبح اقليمياً ولم يعد لبنانياً فقط مما يؤنس «وحدة» الدولة اليهودية؟. فعلى مدى السنوات الأخيرة، وبالتوازي مع زيادة التوتر المذهبي معطوفاً على أزمة اقتصادية خانقة، زادت رغبة المواطنين في الانغلاق كلٌ في «مناطقه». وأصبح غير المباح به طاغياً بقوة على المعلن في علاقات أهل الوطن الواحد. والحوادث التي سبق ذكرها، إن كانت فردية مثل حادثة لاسا، او جماعية مثل حادثة الأسير، ليست الاولى من نوعها، وان كانت مثيلاتها شهدت تسارعاً في الفترة الأخيرة يصبّ في المكان ذاته: خوف الطوائف بعضها من بعض وتسابقها على "تناتش" ما تبقى من البلاد، ومحاولة «تقريشه» عشية اعتماد قانون انتخابي. ليس خوف أهل الحدث من أهل الضاحية بأقل، حين تسن قوانين بلدية تحرّم على المسلم الآتي من الضاحية الجنوبية القريبة «ان يتمدد» عمرانياً، أو يشتري في «مناطقهم»، لكن جرى تناول الموضوع ثم ..تم إهماله، فأصبح "مكسباً" مسلماً به وبديهياً. الشيخ الصيداوي البريء في حادثة كفرذبيان، ليس بريئاً تماماً، إن وضعنا ما كان يفعله حتى لحظة «التزلج» في سياق وطني. فالرجل حامل لواء فتنة مذهبية بين الشيعة والسّنة. وهو في الحقيقة، شيخ ظريف لولا خطورة خطابه. على الأرجح أنه لم يحسبها جيداً. فهو كان يستهدف الشيعة بخطابه المذهبي، وبالتالي لم يكن يتوقع أن تصيب كل تلك الأعراض الجانبية لخطابه بالذعر، هدفاً غير محسوب، في أعالي الجبال المكللة بالثلوج. كان يبدو مذهولا: فهو لم يسء للمسيحيين أبداً، كما تبارت التعليقات على القول. لكن، هل الأسير بريء؟ وما هي مساهمته في رفع منسوب التوتر المذهبي في البلاد؟ وإن لم يستهدف المسيحيين فهل يظن أن الخوف يمشي حسب الفرز المناطقي؟. ربما يقول قائلٌ، أن ردّة الفعل على زيارة الأسير هي في الحقيقة سياسية وليست طائفية. فهو كان قد زار زحلة دون أن يحصل ما حصل معه في كفر ذبيان، فهل هؤلاء مسيحيون أكثر من غيرهم؟ «هؤلاء عونيون»، يكمل اصحاب النظرية، وبالتالي هل كانوا ليفعلوا ما فعلوه لو كانت زيارة وفد من حزب الله مثلاً؟ حليفهم؟ على الأرجح لا. إذا، فالحادثة سياسية وليست طائفية. هذا الكلام كان ليصبح صحيحاً، لو كان الأسير يحمل أيديولوجيا ما أو فكراً سياسياً، كأن يكون ناصرياً او شيوعياً او كتائبياً الخ..لكن ان يكون خطابه هو خطاب «المارد السني» فهو شيء لا يجعله زميلاً لميشيل عفلق ولا لياسين الحافظ ولا حتى لميشال شيحا. وللمفارقة، فإن إدانة الأسير تأتي من هنا، من هذا التحليل الذي يريد الدفاع عنه. فعندما تصبح المذهبية أيديولوجيا، سيحصل هذا الالتباس بين الطائفي والسياسي. كشف هذا الرد من الاهالي، والذي بدا طائفياً لكثير من اللبنانيين من الوهلة الاولى، أن خوف اللبنانيين العميق لا بل رعبهم حالياً، هو من شيء عرفوه في ما مضى وذاقوا منه الأمرين: أي الخطاب المذهبي. وهذا الخوف يرمز اليه الأسير بكل تأكيد باعتماده لخطاب مذهبي «بحت»، يغازل الغرائز. والمأزق، فعلياً، أكبر مما نظن. قبل بضع سنين، خاضت بلدة مسيحية في الشمال معركة مكتومة ضد مسلم أشترى أرضا فيها، فألزمته الوساطات «الحبية» بيعها مرة أخرى، حفاظاً على ..العيش المشترك! وهو عيش يصبح شرطه أكثر فأكثر في لبنان..عدم الإختلاط.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/26/2013 2:38:17 PM

رائعة رفيقة ضحى كما في كل مقالاتك...المبكي في الموضوع أن النفخ بمزمار الطائفية أصبحت السمفونية الوحيدة و المحببة من الرعية... كل الفرق السياسية تسمع نفس الموسيقى و نفس الأغنية التي عنوانها الطائفية...اللهم أجرنا من الآتي العظيم

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم