ثورة/ انتفاضة/ احتجاجات. يمكن اختيار أي من هذه المصطلحات لتسمية ما عايشه اليمن طوال العامين الماضيين، فالتسميات لن تبدل في النتائج. شباب متحمس وصادق خرج إلى الشارع حالماً بمستقبل أفضل بعيداً عن تحالف علي عبد الله صالح مع ثالوث العسكر والقبيلة ورجال الدين، لكن سرعان ما تعرض حراكه للإجهاض، نتيجة تواطؤ سعودي ـــــ أميركي مع أطراف داخلية وجدت في الاحتجاجات فرصتها للانتقام من صالح والامساك بالبلاد منفردة.
المقارنة بين الاهداف، التي خرج من اجلها الشباب وقدموا التضحيات في سبيلها، وما تحقق، كافٍ لتسليط الضوء على قتامة المشهد بعد عامين من انطلاق الاحتجاجات.
مطلب اسقاط النظام بكل رموزه تلاشى. صحيح أن تنحي صالح من رئاسة الدولة تحقق، لكن نظامه لا يزال متغلغلاً في مؤسسات الدولة. وهو نظام لا يقتصر فقط على أبنائه وأفراد من عائلته، بل يتجسد في الوجه الآخر لصالح؛ حلفاؤه الذين انفضوا عنه خلال الاحتجاجات وورثوه، جاعلين من مطلب الشراكة في الحكم وانهاء عهد الاستئثار حلماً بعيد المنال.
الناظر إلى المشهد السياسي اليوم في اليمن لن يحتاج إلى الكثير من التدقيق لاكتشاف أن حزب التجمع اليمني للاصلاح (الفرع اليمني لتنظيم الإخوان المسلمين)، الخارج من رحم المؤتمر الشعبي وحليف صالح منذ عام ١٩٩٠ نجح في فرض وصايته على الثورة والحلول مكان صالح في الحكم.
استماتة الاصلاح، أكبر الأحزاب اليمنية، للحكم لم تجعله ينتظر حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة ليجعل من نفسه وريثاً شرعياً لصالح، بل بدأ رحلة الاستئثار من خلال ما يسمى حكومة الوفاق الوطني. الأخيرة يفترض أنها تتألف مناصفةً من حزب المؤتمر الشعبي وحلفائه، ومن أحزاب اللقاء المشترك، بناءً على ما نصت عليه المبادرة الخليجية، لكن في الحقيقة، فإن معظم الوزارات الرئيسية وضع الإصلاح يده عليها.
رئيس الوزراء، محمد سالم باسندوة، يُنظر إليه في أوساط الشباب على أنه مجرد تابع للقيادي في حزب الإصلاح، حميد الأحمر، وهو لم يخجل من التهجم على شباب الثورة وجرحاها متناسياً انه وصل إلى منصبه بفضلهم. اما وزير المالية، صخر الوجيه، فلم يتحرّج من المماطلة في تأمين العلاج للجرحى المستقلين، على عكس الجرحى الحزبيين المنتمين إلى الاصلاح، الذين فتحت لهم ابواب المستشفيات في الخارج وتدفقت الأموال والتبرعات على المؤسسات التابعة لحزبهم. كما أن الوزير نفسه لم يتوان لحظة عن صرف أموال للمشايخ القبليين، وهي أموال لطالما صرفت من خزينة الدولة لشراء ولائهم.
وزير الداخلية، عبد القادر قحطان، محسوب بدوره على الاصلاح، وشغله الشاغل في هذه الأيام تجنيد أكبر عدد من التابعين للحزب في وزارة الداخلية، فضلاً عن ضمان تغلغلهم في مختلف مناطق البلاد عبر مناصب المحافظين. وهو سلوك امتد ليشمل العديد من مؤسسات الدولة الأخرى، فيما باقي احزاب في المشترك، التي يفترض أنها حليفة الإصلاح في المشترك، بمثابة «شاهد ما شفش حاجة». فحتى قانون العدالة الانتقالية الذي منح بموجبه صالح الحصانة عن كل جرائمه لم تستطع باقي الأحزاب المنتمية إلى اللقاء المشترك أن تضغط لتعديله، لتكتفي فقط بين الحين والآخر ببيانات الادانة كأنها لا تزال في المعارضة لا جزء من تركيبة الحكم الجديدة.
وراثة «الإصلاح» لصالح لم تكن لتكتمل من دون استخدام نفس أدوات حكمه، وتحديداً عبر الجيش ورجال الدين والقبائل، وهؤلاء يمثلون عماد تركيبة الحزب إلى جانب فئة التجار. وعند الحديث عن الاصلاح والجيش يعود اسم اللواء المنشق علي محسن الأحمر، قائد الفرقة أولى مدرع، للظهور. فالتحالف الممتد لعقود بين الاصلاح والأحمر، يفسر جانباً من أسباب استقواء الأحمر ورفضه تنفيذ قرارات اعادة هيكلة الجيش التي أصدرها الرئيس عبد ربه منصور هادي. وأثبت الإصلاح عدم استعداده للتفريط بقوته الضاربة في الجيش تحت أي ذريعة، مثلما أثبت أنه يقف في مواجهة فتح أي ملف فساد في مؤسسات الدولة.
أما رجال الدين، فيستخدمهم «الإصلاح» لضرب مطلب الدولة المدنية. رجل الدين اليمني المتشدد، عبد المجيد الزنداني، وهو أحد القادة الرئيسيين في الحزب، خرج قبل أيام مشترطاً ضرورة أن يجري أي تعديل في الدستور عبر لجنة مفوضة من الشعب اليمني يكون علماء الدين في مقدمة أعضائها، محذراً من أن استبعاد العلماء «يؤثر في أمن اليمن واستقراره في حاضره ومستقبله».
يحدث كل ذلك فيما فتاوى التكفير واباحة دماء الآخرين باتت سيفاً مصلتاً على كل من يرفع صوته اعتراضاً. فالناشطات من أمثال بشرى المقطري وسامية الاغبري، والامين العام للحزب الاشتراكي اليمني ياسين نعمان باتت تلاحقهم تهم الإلحاد والارتداد والزندقة، في دعوة صريحة إلى التخلص منهم.
وضع بقدر ما يشكو منه الشباب اليمني، فإنه يبدو عاجزاً عن تغييره، بعدما نجحت الأحزاب بتطويق حراكه، مستغلة الدعم الإقليمي والدولي. فالمجتمع الدولي والاقليمي الراعي للمبادرة الخليجية، حرص على ضمان أن يكون التغيير في اليمن محدوداً حفاظاً على مصالحه. فالسعودية لم تكن تفكر سوى في ضمان استمرار وصايتها على البلاد. وهي إن تخلصت من صالح، لكنها حافظت على نفوذها من خلال عائلة آل الأحمر والاصلاح، فضلاً عن أنها لا تزال قادرة على ضمان ولاء الكثيرين من خلال الأموال الباهظة التي تتولى ضخها في اليمن عبر لجنة خاصة تعود إلى وزارة الدفاع.
أما الولايات المتحدة، فلم تجد يوماً فرصة أفضل من هذه المرحلة للإمعان في انتهاك سيادة اليمن، بعدما استباحت طائراتها من دون طيار سماء البلاد برضى رئاسي وتجاهل اصلاحي.