خط طويل احمر رسمه نشطاء مجموعة «حقي عليّ» من وزارة الصحة الى قصر العدل، في تحرك رمزي اطلقوا عليه تسمية «مأتم مدني»، حداداً على الطفل مؤمن المحمد، الذي توفي قبل اسبوع بسبب عدم اسعافه بالطريقة الواجبة في مستشفى الشفاء في طرابلس، بذريعة صدور تعميم عن وزارة الصحة بوقف استقبال المرضى على حساب الوزارة.
اهل الفقيد من بلدة برج العرب ــ قضاء عكار شاركوا في «المأتم»، ولولا حضورهم لكان التحرك هزيلاً بالقياس مع الفترة الفاصلة للتحضير وتوقيته في فترة المساء، ما يوجب ان يشارك فيه عدد اكبر من النشطاء الذين لم تنعكس حماستهم الافتراضية على الفايسبوك حماسة فعلية للتحرك الميداني.
بداية التجمع عند مدخل وزارة الصحة حيث رفعت لافتات طالبت الوزير علي حسن خليل بالاستقالة. لكن رئيس بلدية برج العرب في قضاء عكار، ورغم حزنه على فراق ابن شقيقته، رفض مطلب اقالة الوزير «مش شغلتنا نطالبه بالاستقالة، نحن جئنا لنطالب ببطاقة صحية لكل لبناني، وبتفعيل مستشفى عكار الحكومي وتجهيزة بغرفة عناية لائقة، وبأن يشمل الضمان الاجتماعي الشرطة البلدية».
لكن الناشط جنيد سري الدين من مجموعة «حقي عليّ» كان واضحاً في تحميل الوزير «المسؤولية السياسيّة عن هذه الجريمة، ليس فقط لابتزازه المواطنين في صحّتهم وحياتهم، بل لأنه يستميت للحفاظ على النظام الحالي الذي يبقي صحة وحياة أكثر من مليوني لبناني رهن مساعدات وزارة الصحة ــ من خارج صلاحيّاتها ــ أي رهن الحاجة للزعيم ولشبكة المصالح الحاكمة». وأضاف سري الدين في كلمة القاها باسم المشاركين «الوزير خليل أفشل عن قصد النهوض بمشروع جدّي يضمن التغطية الصحية الشاملة، بحدّ أدنى لجميع اللبنانيين، على المعايير نفسها، مموّل من الضرائب، ويبقي الصناديق الأخرى لتغطية الفارق، وهو حلّ ممكن وواقعي، بادّعائه اقتراح انشاء ــ من خارج صلاحياته ــ صندوق جديد لتغطية اكثر من مليوني لبناني غير مشمولين بأي تغطية صحية اليوم».
بعدها، توجّه المشاركون الى قصر العدل بمسيرة صامتة باللباس اللأسود، كما استعان النشطاء بصباغ احمر سكب على طول الطريق من المتحف الى العدلية، في دلالة رمزية على دم مؤمن وغيره الكثير من الاطفال الذين اغمضوا عيونهم باكراً فقط، لأن في لبنان لا يزال هناك من لم يميز بين قسم ابقراط وتعميم وزاري.
عند المدخل الرئيسي لقصر العدل اختتم المأتم بكلمة القاها الناشط محمد حمدان شدّد فيها على دور القضاء المركزي بكشف ومحاسبة كل المسؤولين عن موت مؤمن، وأيضاً المسؤولين عن فضائح تزوير الادوية المتكرّرة، ومحاسبتهم. كما وجّهت الكلمة رسالة دعم لكلّ قاضٍ نزيه، يحاول اداء مهامه بعيداً عن التدخلات السياسية. ووُجّهت أيضا رسالة دعم لتحرّكات هيئة التنسيق النقابية، باعتبار أنّ المعركة واحدة: «فالحقوق الاجتماعية تكمّل تصحيح الراتب وتحصّنه بسلّة تضُمّ أولا التغطية الصحيّة الشاملة وتحرّر المواطن من المحسوبيّة والولاء للنظام الحالي، والمعركة هي بوجه السلطة الأخطبوطيّة نفسها لأنها لا تريد ايجاد مصادر ضريبيّة جديدة كالضرائب على الريوع، لكونها تمسّ بمصالحها ومصالح أصدقائها».
وفي تعليق إلى«الأخبار» حول التحرك، جدد الوزير خليل رفضه ربط حملة «حقي عليّ» بين وفاة الطفل والتعميم الوزاري الذي لم يطبّق اصلاً. ولفت الى ان قرار وقف التعاقد مع مستشفى الشفاء جاء بعد تحقيق اجرته الوزارة، ولن نتراجع عنه.
وموضوع المشروع الذي تقدم به لانشاء صندوق للتغطية الصحية قال خليل: «أول من أمس اجتمعت لجنة فنية لمناقشة المشروع في السرايا الحكومية واللجنة الوزارية المعنية ناقشت المشروع في اكثر من جلسة». وحول مشروع التغطية الصحية الشاملة الذي قدمه الوزير شربل نحاس في ايلول 2011 قال خليل: «هذا ليس مشروعاً بل مقترح وأفكار عامة» والوزير نحاس يعرف ان موقفي متقدم جداً في موضوع تأمين الموارد، ولكن لا يمكننا ان نخاطر بإلغاء اشتراكات اصحاب العمل للضمان الاجتماعي، مقابل وعد بتحصيل ضرائب، هذه خطوة اصلاحية كبيرة، والحكومة الحالية، وانا واحد منها، اعجز من ان تقوم بها، ومسار تمويل سلسلة الرتب والرواتب خير برهان».