ما الذي حدث، فجأة، على الخط بين عمان ودمشق؟ المعطيات متضاربة للغاية؛ فبينما تأكد أن الحكومة الأردنية سمحت للأميركيين بتدريب 1200 من مقاتلي المعارضة السورية على أراضيها، تسربت أنباء متزامنة عن لقاء رفيع المستوى تم بين قيادتيّ البلدين. رفيع المستوى، إلى حد أنه توجد تأكيدات، غير رسمية، بأنه كان لقاء قمة، جمع الملك عبدالله الثاني والرئيس بشار الأسد. والأرجح أن موضوع المباحثات، كان هو نفسه الذي ناقشه الملك الأردني في موسكو والدوحة وأنقرة: موضوع اللاجئين السوريين إلى الأردن.
في الأشهر الثلاثة الأخيرة، زاد تدفق هؤلاء عن كل التوقعات. وبينما تستعد الحكومة الأردنية لافتتاح مخيمين جديدين إلى جانب مخيم الزعتري الشهير في المفرق، ظهر أن جميع الجهات المعنية، فقدت السيطرة على انتشار اللاجئين السوريين في كافة محافظات المملكة. هل نتحدث عن حوالي نصف مليون، كما تشير السجلات، أم عن مليون وأكثر، كما تشير التقديرات الشائعة؟
في كل الأحوال، لم يعد بالإمكان تجاهل المخاطر الكبرى الناجمة عن ظاهرة اللجوء السوري للأردن؛ فأعداد اللاجئين السوريين تتزايد بصورة دراماتيكية، وسط تسهيلات غير مفهومة. وقد تحوّل هؤلاءإلى كتلة ضاغطة على الاقتصاد والخدمات العامة والمخزون الغذائي، وإلى عمالة فائضة، وإلى مصدر للخروقات الأمنية من كل نوع، سواء داخل مخيم الزعتري الذي تحوّل إلى منطقة لممارسة الممنوعات بكل أنواعها، أم خارجه، حيث وصل الأمر إلى الصدام مع المواطنين، مما يستدعي، في الحالتين، تدخل الدرك. وهو ما يلحق الضرر بسمعة الأردن كبلد مضيف. وفي الواقع، فإن العديد من اللاجئين السوريين، في الأردن، عدائيون ويمارسون أعمال القبضايات، وبينهم عناصر من «الجيش الحر»، وحتى من الإرهابيين المستترين، والظاهرة تكاد تنفلت من عقالها على كل المستويات، لتغدو مدخلاً إلى قيام حالة من الفوضى في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية المحاذية لسوريا.
لا ننكر أن هناك ضرورات أمنية حفّزت عدداً من السوريين للجوء للأردن، لكن ذلك لا يشمل معظم اللاجئين الذين يتدفقون على البلد لأسباب اقتصادية؛ ذلك أن أساس الأزمة السورية يكمن في تراكم فائض سكاني مفقَر ومهمّش في الريف السوري، نجم عن اتباع سياسات اقتصاد السوق النيوليبرالي في سوريا في العقد الأخير. وهذا الفائض هو الذي يتدفق على المملكة، تحفّزه شبكات عابرة للحدود تؤمن، مقابل بدل مالي، توصيل اللاجئ إلى نقاط العبور العديدة بين البلدين، بينما تؤمن له، لاحقاً، الخروج من المخيم إلى حيث يشاء في البلاد. وهذه، في النهاية، ليست مشكلة مؤقتة، وإنما مشكلة هيكلية لها مفاعيل بعيدة المدى. ويرجح خبراء ميدانيون، أن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين لن يرجع إلى وطنه عندما تنتهي الأزمة ويحل الاستقرار، بل سيواصل الإقامة ويسعى إلى التوطّن، خصوصا أن الاتفاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، تسمح للسوري بالإقامة الحرة وامتلاك العقارات والاستثمار والعمل الخ كالأردني، سواء بسواء.
يفسّر المسؤولون الأردنيون الإجراءات المتساهلة مع موجات اللجوء السوري بدوافع قومية وإنسانية، لكن هناك، أيضاً، الضغوط التي تمارسها الجهات الدولية على الحكومة الأردنية التي التزمت باستقبال غير محدود للاجئين من سوريا، لكن مع إصرارها على ألا تكون بين هؤلاء مجاميع كبيرة من فلسطينيي سورياً، حفاظا على التوازن الديموغرافي الأردني ــــ الفلسطيني في البلاد. هذا الإصرار الذي كان موضع تفهّم من قبل الغرب والأمم المتحدة، لم يعد كذلك، حتى أن مفوّض الأونروا، فيليب جراندي، أعلن، أمس، صراحة، بأنه بات على الأردن استقبال اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا من دون قيود.
على هذه الخلفية، تناقش عمان التي تتوقع، في النهاية، لاجئين سوريين بعدد يقترب من نصف الأردنيين، سيناريوهات إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، في المناطق التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة، كمنطقة إيواء للاجئين السوريين والفلسطينيين، بما في ذلك إيواء لاجئي مخيم الزعتري فيها. وفي هذا السياق، تضع مصادر أردنية برامج تدريب مقاتلي المعارضة كشرطة للمنطقة العازلة، لكن تسريبات أخرى تتحدث عن تدريبات عسكرية نوعية لأولئك المقاتلين على التصدي للدروع، في مقاربة تتوافق مع الفكرة الأميركية الساذجة لبناء قوات مدربة موالية لواشنطن، قادرة على حسم المعركة مع النظام السوري، ولجم مقاتلي «جبهة النصرة» في آن معاً.
المشهد غامض كلياً، والمسؤولون الأردنيون الذين ما زالوا يتحدثون عن تسوية تشمل كل الأطراف تحت شعار «لا غالب ولا مغلوب»، يصمتون تماماً إزاء السؤال الرئيسي المطروح: هل الترتيبات الجارية تتم بالتنسيق مع الأسد أم في مواجهته؟