مع إعلان الحكومة الثالثة التي يترأسها نتنياهو خلال حياته السياسية، وعلى وقع هذا التشكيل الذي يحمل الرقم 33 منذ تأسيس حكومات الغزو الhحتلالي/ الإجلائي، وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما في جولة قادته للعديد من دول المنطقة. وإذا كانت فاتحة حركته السياسية/ الدبلوماسية، الخارجية، في بداية فترته الرئاسية الثانية، انطلقت من الثكنة /الكيان، فإن مدلولات الزيارة أخذت بعداً استراتيجياً واضحاً، في أهمية حكومة العدو في مركز السياسة/ المصالح، الإمبريالية الأميركية في الوطن العربي والمنطقة.
زيارة الـ48 ساعة للكيان، اقتطع منها الرئيس وطاقمه خمس ساعات للقاء قيادة سلطة رام الله المحتلة التي لا تعدو كونها «محطة وقوف!» أتاحت للطرفين تبادل الرأي حول الاستعصاء الحاصل في «قضية القضايا»: المفاوضات. لكن ما تسرب عن حوارات تلك الساعات، وما تضمنه المؤتمر الصحافي المشترك لمحمود عباس وأوباما، أضاف خيبة أمل جديدة إلى قيادة المقاطعة، بعد أن عبّر العديد من مسؤولي السلطة أثناء التحضير للجولة الموعودة، عن آمال ــ لا تعدو كونها أوهاماً ــ في أن تشكل الزيارة المرتقبة «بداية سياسة أميركية جديدة»! خاصة، وأن التصريحات الرسمية التي سبقت الزيارة حملت مواقف لا تساعد على تحقيق تلك الآمال. المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني صرّح قبل أيام «أنّ زيارة أوباما للمنطقة لن تركز على مقترحات محددة لعملية السلام في الشرق الأوسط... لأنّ ذلك ليس هدف الزيارة، فالرئيس لا يحمل معه خطة سلام جديدة». وهذا ما أكّدته صحيفة «هآرتس» «أن الموضوع الفلسطيني لم يحتل سوى جانب هامشي من ساعات اللقاء الثلاث الأولى التي تمّت بين أوباما ونتنياهو، وأن المداولات تركزت حول سوريا وإيران».
مواقف أوباما النقدية، كما جاءت في مقابلته الصحافية الشهيرة قبل انتخابات الكنيست الأخيرة، والتي تحدث فيها بامتعاض عن سياسة نتنياهو، تحولت، كما وصفها في خطابه في «مباني الأمة» في القدس الغربية المحتلة، إلى دراما بينه وبين صديقه بيبي. فخلال السنوات لم تكن سوى لعبة لإيجاد مواد «لإيريتز نيهيدير» (برنامج «إسرائيلي» تلفزيوني ساخر). لقد «قرر أوباما احتضان نتنياهو بدلاً من مواجهته» كما كتب البروفسور إيتان غلبوع، الباحث في جامعة بار إيلان في صحيفة «يديعوت أحرونوت». هكذا إذن، أمام المصالح المشتركة وطبيعة الوظيفة للكيان، يتم تجاوز كل المواقف «الحادة» بين الليكود وزعيمه، وأوباما وحزبه الديمقراطي كما ظهرت أثناء الانتخابات الأميركية الأخيرة. فالعلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية محكومة بالخدمات المتبادلة التي يقدمها كل طرف للآخر في تنفيذ السياسات الاستعمارية التوسعية وفي سياسة الهيمنة الاقتصادية. لهذا، أعاد أوباما التذكير بتاريخية العلاقة ومتانتها (لقد نشأت بعد إحدى عشرة دقيقة من قيام «إسرائيل» عبر اعتراف أميركا بها، وهي تتطور منذ ذلك الوقت بسبب القيم المشتركة). خطاب الرئيس الأميركي في مباني الأمة أمام حشد من الشباب ــ معظمهم من طلبة الجامعات ــ قرأه البعض من نشطاء المقاومة بالوطن المحتل، بأنه «وعد بلفور جديد». كانت الأساطير الصهيونية، تتكشف في العديد من العبارات والأفكار و«الأحلام»، فالرواية الصهيونية كانت حاضرة في كلام الرئيس عندما تحدث عن «أرض الميعاد» وعلاقتها بـ«الشعب اليهودي» وحريته! (حلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية: أن تكون حراً في وطنك). لقد جاء خطابه في بداية فترته الرئاسية الثانية، معاكساً ونقيضاً، لما توهمه البعض من المراهنين على السراب، لخطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة 4/6 /2009، وهو في بداية رئاسته الأولى. كانت أوضاع المنطقة والساسيات الأميركية في العالم، هي التي فرضت على أوباما في بداية كل فترة رئاسية تحديد نقطة الانطلاق في كلّ جولة. في فترته الرئاسية الأولى، تبنّى أوباما مطلب تجميد المستوطنات كشرط مسبق للمفاوضات. أما في زيارته الأخيرة، فقد تنازل عن هذا المطلب، بل ربط الاعتراف بدولة فلسطينية، بضرورة اعتراف الفلسطينيين ــ سلطة رام الله المحتلة ــ بكيان العدو («إسرائيل» دولة يهودية) بمعنى انتقال تلك القيادة للتعامل مع الديمغرافيا بعد أن تعاملت ــ بالخضوع والإذعان ــ مع الجغرافيا، بالتنازل عن 78% من أرض فلسطين التاريخية، لتنتقل إلى وضع مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني يقيمون في وطنهم التاريخي أمام سياسة الإبعاد.
ازدواجية المعايير برزت بوضوح في نفاق السياسة الأميركية، والعواطف الإنسانية عند التكلم عن الأسلحة الكيميائية في المنطقة. رئيس الدولة الدموية، نسي نتائج قصف القوات الأميركية لمدينة الفلوجة بالفوسفور الأبيض بعد غزو العراق عام 2003 ببضعة أشهر. كما تناسى ما فعله مضيفه الصهيوني، من استخدام ذات السلاح الفوسفوري في عدوانه المتكرر على غزة. التخوف الذي أبداه أوباما على «مستقبل اليهود وأمن أطفالهم»، لم يقابله حديث عن الأسرى من الرجال والنساء والأطفال. بل إن طرد الفلسطينيين وتشردهم من وطنهم، والمجازر بحق أطفالهم في العدوان المستمر على غزة، هي دفاع عن «القيم الديمقراطية»!.
بعد خطاب القاهرة الحزيراني الذي سوّق فيه وعوده التي لم تتحقق بوقف الاستيطان، ازدادت المستعمرات وعدد المستعمرين بشكل واضح. والآن، بعد خطاب مباني الأمة ولقاءات رام الله المحتلة، وزيارة كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، المحاصرة والمستباحة لقوات العدو، كيف تكون «العودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة» ــ كما طلب الرئيس الزائر ــ في ظلّ حكومة صهيونية جديدة، يحتلّ أصحاب مشروع بناء المستعمرات وتوسيع الموجود منها، الثقل الأكبر في تشكيلتها. كل هذا ستجيب عنه الأشهر القليلة المقبلة.
* كاتب فلسطيني