بوصول المحامية فداء عبد الفتاح إلى سجن النساء في زحلة، كانت مديرة السجن تواجه مأساة جديدة، تبدو إمكانات سجنها عاجزة عن استيعابها. الطقس مثلج، والبرد قارس، والسجينة (المتحوّلة جنسياً من ذكر إلى أنثى) قابعة في قفص سيارة نقل المساجين (البوكس) تنتظر موافقة مديرة السجن على استقبالها. ساعات ثقيلة انتظرتها السجينة من دون فائدة. إدارة سجن بعبدا فصلتها تأديبياً إلى سجن زحلة، لكن مديرة السجن نجحت في رفض استقبالها، بعد سلسلة اتصالات أجرتها مع المراجع المختصة، والحجة أن لديها في السجن ما يكفي من الحالات «العنيفة».
انتهى المشهد الأول من دراما مأساة السجن الزحلاوي، ولم تنتهِ حيرة فداء، بل ازداد قلقها على مصير المتحوّلة جنسياً ومدى تقبل حالتها في سجن طرابلس (بالنظر إلى المفاهيم الأخلاقية المرتبطة بالمتحولين جنسياً) الذي توقعت أن يكون محطتها الثالثة بعد فصلها تأديبياً من سجن بعبدا، وعدم استقبالها في سجن زحلة.
دخلت فداء إلى السجن بعدما كشفت عن طبيعة المهمة المكلفة إنجازها. مديرة السجن «شخصية محببة ولطيفة جداً»، رغم محاولتها إظهار بعض القسوة لضبط السجن وفق «مقتضيات الواقع اللبناني»، وإزاء العجز الفاضح، للتعامل مع نزلاء السجن «باعتبارهم بشراً».

جريمة «الشرف»

بعدما تجاوزت مأزق عدم تقبّل المتحولة جنسياً، كانت المقابلة الأولى مع سجينة ستينية محكومة بالحبس مدة 15 عاماً، أمضت منها 13 عاماً. تهمة السجينة قتل ابنتها. لا تتردد في القول: «ذبحتها بعدما اعتدى عليها شخص كانت تحبه». تجهش بالبكاء وهي تروي ما يبدو غير قابل للتصديق: «اتفقنا، عائلة ابنتي وعائلة الشاب على قتل الاثنين حفظاً للشرف، وفضلت أن أذبح ابنتي بنفسي حتى لا ينفّذ أخواها مهمة قتلها وقتل الشاب المعتدي، ونقع في الثأر والثأر المضاد، فأخسر بقية أولادي. لكن العائلة الثانية خانت العهد وسلمت ابنها للقضاء، ليصار إلى حبسه، ثم الإفراج عنه بعد سنتين على توقيفه».
الحالة الثانية التي قابلتها فداء أشد تعقيداً وأكثر هولاً. السجينة جنان (اسم مستعار) موقوفة منذ سنة ونصف، لم يقرأ ملفها أي محامٍ، ولم ترَ وجه القاضي إلا منذ ثلاثة أشهر في جلسة أولية، لا علاقة لها بالتهمة الموجهة إليها، فقط كان سؤاله يتعلق بإشكال حول تاريخ ميلادها. جنان هي الحالة «العنيفة» التي تقضّ مضجع مديرة السجن، تهمتها الاتجار بالمخدرات، وهي ابنة الحادية والعشرين سنة. هي فعلاً تتعاطى المخدر منذ كان عمرها 14 عاماً، كمال تقول، لكنها لا تروّج. تجزم أنها امتنعت عن التعاطي قبل توقيفها بسبعة أشهر. جنان متروكة لمصيرها، من دون تحقيق، ومن دون معين، والدها رجله مقطوعة ومصاب بداء الغرغرينا، والوالدة تشتغل بالخياطة لتعول الأسرة، بما في ذلك ابن جنان البالغ من العمر 6 سنوات. تصاب بحالات عصبية منذ توقيفها، والعلاج الوحيد كان وصفة من طبيب السجن، نصف حبة بنزكسول يومياً، وبمرور الأيام، راحت أزماتها العصبية تتفاقم، فتطور العلاج تدريجاً ليصبح أربع حبات في اليوم. تتمنى جنان أن تحاكم، ولو أدينت بالتعاطي أو بالترويج أو بأي شيء آخر، المهم أن تخرج من وضعية الموقوفة رهن التحقيق، ليصار إلى نقلها إلى مستشفى للمعالجة من إدمان البنزكسول.

يأس في بعبدا

سجن النساء في بعبدا محطة المحامية فداء عبد الفتاح الثانية في رحلة تتبّعها للكائنات المتعبة. وكما هي الحال في زحلة، كان الطقس عاصفاً وماطراً، امتزج ببرودة الاستقبال من عناصر مخفر السجن المقيمين في حاوية حديد. سألوها عن المهمة، احتفظوا بهاتفها الجوال، وأشاروا إليها بالتوجه إلى مبنى السجن، حيث فتحت لها الباب موظفة، وبلغتها بالصعود إلى الطابق العلوي من دون جدال.
مشت المحامية في سبيلها بين غرف، يفصل بينها ممرّ، تتكدّس فيه أكياس مليئة بالثياب. حجرات السجينات لها نوافذ صغيرة، بالكاد تسمح برؤية ما في داخلها. أما المطبخ، فقد بدا أن العمل فيه من اختصاص السجينات الأجانب.
المقابلة الأولى أجرتها فداء مع سيدة محجبة، مرتبة ومتماسكة، فخيِّل إليها أنها من الموظفات، لتكتشف لاحقاً أنها أكثر السجينات بؤساً ومعاناة. ولما عبّرت المحامية عن رغبتها بمقابلة سجينات تتفاوت ظروفهن (التهم، الأحكام، المعاناة، الجنسية)، أجابت السيدة: «ادخلي أنت إلى الغرف، واختاري بنفسك، وإن شاء لله يحكوا معك».
«دخلتُ إلى الغرفة الأولى»، تقول المحامية، فلم يكترث أحد بقدومها بصفتها متطوعة في جمعية تهتم بالسجينات، «الظاهر زهقوا من هالحركات». أما عندما عرّفت عن نفسها كمحامية، فتهافتت الأسئلة. في الغرفة الثانية كان اليأس مسيطراً على الوجوه. إحداهن كانت تلقي بنفسها بجانب باب الغرفة. وبعد تكرار الأسئلة، انبرت إحداهن بعصبية لافتة، قائلة: «صرلنا سنين قاعدين وما حدا اهتم فينا، كل واحد بيجي وبيكتر حكي وبيروح وما بيرجع». وفي الغرفة الثالثة كانت السجينات نائمات، «فلم أجرؤ على إيقاظهن».
في قاعة مخصّصة لإحدى الجمعيات، كانت المقابلات الفردية. وداد (اسم مستعار) سجينة سورية عمرها 22 عاماً، كانت قد لجأت إلى لبنان مع زوجها وطفليها. لم يحصلوا على أي مساعدة، رغم أنهم تسجّلوا في مكتب بصيدا يعنى باللاجئين السوريين. عمل الزوج في ورش البناء، ولما حصل على أول دفعة، توجهت وداد إلى أقرب دكان لابتياع بعض حاجات الأسرة. فتبيّن أن الدفعة المقبوضة مال مزوّر. وضعت وداد في السجن رهن التحقيق. وقُبض على زوجها وأُودع في سجن آخر. لكن مأساة وداد أنها لا تعلم أي شيء عن طفليها اللذين تُركا وحدهما في المنزل، أكبرهما عمره خمس سنوات، والصغير سنتان. تمكنت السجينة من توكيل محامية، لكن «لليوم لم تحدّد لي جلسة ولا شي، وعدتني إنو تطمنني على الأولاد، ولحد الساعة لا علم ولا خبر».
أما ريما، فيمكن وصفها بالشاعرة الصغيرة في هذا المكان، وخصوصاً عندما تقول: «أنا بدي الحرية، شوف القمر ساعة اللي بدي، وأنا بحب الرسم كتير، كنت مبسوطة بأول يومين من توقيفي، لأن شفت الماما والبابا مع بعضن حدي». ريما التي أتمت الثامنة عشرة منذ أشهر قليلة، وضعت في غرفة، أصغر نزيلاتها تكبرها بعشرين سنة، معظمهن متهمات أو محكومات بجرائم قتل أو دعارة أو تزوير. تتعاطى الفتاة الصغير المخدرات منذ كان عمرها 14، لكنها تدعي أنها توقفت عن التعاطي قبل شهر من توقيفها، وتلقي بالمسؤولية على عاتق أبيها وأمها المنفصلين؛ فهي تعيش وحدها منذ مدة طويلة، جرى توقيفها أكثر من مرة، تدخل النظارة ثم تخرج. وبينما هي في سياق التوقف عن التعاطي كان «العالم كيف ما بروح وبجي بيقولوا هيدي بتتعاطى وخريجة نظارات». اهتم أهلها بها قرابة يومين أو ثلاثة، وكّلوا محامياً للدفاع عنها، ثم توقفوا عن زيارتها «هلق فهموا إنو لازم أتربى، لما بلشت صير منيحة من دون فضلهم، وأنا بالحبس بدهم يربوني».
فاطمة موقوفة منذ عشرة أشهر بتهمة تعاطي المخدر. تقول إن الفحوصات أثبتت أنها لا تتعاطى، وهي تجزم بأن لا علاقة لها بالمخدرات إطلاقاً. لكن «صاحبة زوجي الموقوفة بسبب التعاطي، ونكاية بي، ذكرت اسمي بالتحقيق». فاطمة التي لا يزال زوجها يمضي حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات، كانت تعول أولادها الثلاثة من مردود دكان بسيط في بيتها الصغير. بعد توقيفها قبض على ابنها الأكبر بتهمة سرقة تليفون، وهو الآن في سجن الأحداث برومية. تعرض ابنها الأوسط (13 سنة) للاغتصاب، ومع ذلك فهو يعمل مع أخيه الأصغر (9 سنوات) في محطة وقود. صغيرا فاطمة يحضران إليها كل شهر بعض الطعام والحوائج، ويعطونها 50 ألف ليرة لتصرف على نفسها داخل السجن. حضرت السجينة جلسة واحدة، من دون أن يتوكل عنها محامٍ، تأمل أن يصحو ضمير (صاحبة زوجها) وتبلغ القاضي أن ادعاءها لا أساس له من الصحة.
المأساة الكبرى كانت تخبئها السيدة المتماسكة التي واجهتها منذ لحظة دخولها السجن، ولم يبدُ عليها ما يشير إلى كونها سجينة. عليا موقوفة منذ خمس سنوات بتهمة التستر على ابنها (21 سنة) المتهم بقتل أبيه. تؤكد عليا تهمة قتل الولد لأبيه، لكن الأخير ـ تضيف عليا ـ كان يعتدي جنسياً على الولد وعلى أخته منذ صغرهما، كبر الولد ولم يعد قادراً على التحمل. تعرف عليا ما كان يفعل زوجها، لكنها كانت بدورها تتعرض للضرب، ولم يكن لها حول ولا قوة، ومع ذلك فهي نادمة «كان لازم أنا أقتله». لدى عليا ولد معوّق يربيه عمه، أما ابنتها فتزوجت شخصاً يمنعها من السؤال عن أمها وأخيها في السجن. ورغم الألم الذي يعتصر في نفسها، تعبّر عليا عن ارتياحها، «أنا بالمطرح الصح مع ابني في السجن» وكأنها تشارك ابنها تحمّل عواقب عمل، لا تزال نادمة لكونها لم تقترفه هي. وبوجودها ولو بسجن آخر غير سجن ابنها، ترى أنها تشاركه معنوياً المكان والمصير نفسيهما.

طرابلس: الجنّ والعفاريت

للمآسي في سجن طرابلس أبعادها الخاصة. فلسنوات قليلة خلت كان مبنى السجن النسائي بحراسة رجال (بدل النساء) من قوى الأمن الداخلي خلافاً لباقي سجون النساء في لبنان. تغيّر مبنى السجن وتبدّل جنس الحراس، لكن «الجنّ والعفريت» لا تزال تبسط سلطتها على عقلية الأحرار والمساجين. تمضي خالدية مشوار توقيفها رهن التحقيق إلى أجل غير مسمى، بتهمة قتل زوجها، وفك طلاسم عالم الأرواح رهن شروح المشايخ وتعويذاتهم. لم تكن خالدية تعرف سبب قيام زوجها بضربها وتعذيبها إلى أن «اكتشفت» أن السبب هو لجوء حماتها إلى السحرة لتفريقها عن زوجها. وبالسلاح نفسه قررت خالدية المواجهة، فلجأت إلى ساحر أو شيخ آخر، لـ«يفك الكتيبة» ويطرد الأرواح الشريرة. وبالفعل أعطاها أحدهم السحر المضاد، وهو عبارة عن مادة تدسّها له مع قهوة الصباح. أحسّت خالدية بأن زوجها كان يهدأ بعد تناول القهوة، إلى ان توفي. أوقفت خالدية بتهمة دسّ السم له، وهي تهمة دعّمتها الحماة بتقرير طبي، وردّت عليه خالدية بتقرير من طبيب آخر يفيد بأنه مات بجرعة زائدة من مخدر اعتاد تعاطيه. وبين موته مسموماً أو بالتهام جرعة زائدة من مخدر، مضت أربع سنوات على توقيف خالدية، حضرت في خلالها ثلاث جلسات من دون التوصل إلى الحكم بالبراءة أو بجريمة القتل العمد.
ومن ثقل الجغرافيا وتداعياتها سجينتان سوريتان كانتا تعملان في تنظيف المنازل في سوريا. خطف الجيش السوري الحر زوجيهما، وبقيتا وحيدتين تعولان أطفالهما. انتقلتا للعمل في لبنان بواسطة عصابة تمتهن أعمال الدعارة، حيث ألقت القوى الأمنية القبض عليهما، وسيقتا للتحقيق معهما في مخفر حبيش في بيروت. وهناك ادّعتا أنهما تعرضتا للتعذيب. وبغياب أي محامٍ يتابع الملف، حصلت إحداهما على بيجاما من جمعية خيرية، أما الثانية فلم تحصل على أي شيء.
سورية ثالثة أمضت محكوميتها بتهمة سرقة منزل مخدوميها. لكنها لا تزال موقوفة لأنها لا تستطيع دفع غرامة مقدارها مليونا ليرة. الخادمة السورية تعبّر عن ذهولها بالحكم الصادر بحقها، وتدعي أن الحكم عليها، بغياب محامٍ للدفاع عنها، كان من دون أي دليل، وخصوصاً أن مخدوميها ادعوا عليها بسرقات حصلت أكثر من مرة، ما يدفعها إلى التساؤل عن مبرر استقبالها للعمل لديهم، بعد حدوث أكثر من عملية سرقة.



قانون ظالم ومعاملة حسنة


يحظى القابعون في السجون برعاية عدد من الجمعيات الأهلية واهتمامها. وتختلف المساعدات التي يحصلون عليها بين مادية (أموال، ثياب، غذاء...) ونفسية (مساعدة متخصصين اجتماعيين ونفسيين)، وصولاً إلى القانونية (استشارات). واللافت أن السجينات عموماً يحصلن على مساعدات عينية وتجهيزات أخرى مثل: تلفزيون وغسالة ومايكروويف وفرش وبطانيات. ومع ذلك ثمة تفريق في التعامل مع نزيلات السجن كما يقول بعضهم. فـ«المايكروويف» تقدّمه جمعية معينة للعاملات الأجنبيات، وجمعية أخرى تتعامل بتحيّز لمصلحة سجينات أخريات لدوافع أخرى لم تتحرَّ أسبابها المحامية دانيا بسيوني التي نقلت ما حصلت عليه من معطيات على ذمة روايات السجينات. لكنّ دانيا خرجت بانطباع إيجابي عن علاقة إدارة السجن بالسجينات، وعن حرية حركة السجينات بين أقسام السجن، والنظافة وسهولة إعداد الطعام في المطبخ. ومع ذلك ثمة ما يقلق بنظر المحامية في المجال الطبي على مستويي الوقاية والمعالجة.



إضاءة

العاملات الأجنبيات: نفّذ ولا تعترض



حال العاملات الأجنبيات من أحوال مثيلاتهن في باقي السجون. لا محامين موكلين للدفاع عنهن، ولا تدخّل من جانب السفارات، فيما تحمل قصصهن علامات استفهام كثيرة عن أسباب توقيفهن من دون أن يكون لهنّ أي فرصة للدفاع عن النفس.
في سجن القبة إثيوبية متهمة بسرقة منزل مخدوميها موقوفة منذ خمسة أشهر، وسريلانكية متهمة بقتل شخص ترتبط معه بعلاقة غرامية موقوفة منذ مدة طويلة. أما في سجن زحلة، فعددهن أربعة. اثنتان من بنغلادش، فيليبينية وسريلانكية. بسبب ضعف اللغة، لا يعلمن ماذا يدور حولهن. سفاراتهن لا تسأل عنهن. منسيات بالمطلق، رغم أن تهم بعضهن بسيطة جداً، مثل الهرب من منزل المخدومين. ثمة موقوفة واحدة استطاعت أن تخبر عن وضعها لأنها تعيش في لبنان منذ أكثر من عقد من الزمان، متزوجة لبنانياً، ويبدو أن زوجها وأهله معنيون ببقائها سجينة مدى الحياة، ولو أن ذلك ينطوي على حكمها بأقصى عقوبة، وهي حرمانها رؤية طفلتها ابنة الثانية عشرة التي لم ترَ وجهها رغم انقضاء أربع سنوات على توقيفها.
العاملة الأجنبية «دخلت برجلها إلى السجن». الذنب الذي اقترفته أنها ضلّت الطريق في محاولة عودتها إلى منزل مخدوميها، ومعها طفلهم الصغير، تحمله ولو كانت تهمّ بابتياع حاجات المنزل أو قضاء أمر آخر. مقدمة دخول العاملة الأجنبية إلى العدم كان اتصالها بالرقم 112 طمعاً بنجدة قوى الأمن الداخلي بعدما أقفلت الأبواب بوجهها. لكن يبدو أن اتصالاً آخر من مخدوميها بالمراجع المختصة يفيد بأن العاملة خطفت ابنهم، ويبدو أيضاً أن مجرد اتصال من لبناني، وخصوصاً إذا كان من المستخدِمين، يمثل دليلاً قاطعاً، يؤدي مباشرة إلى إصدار حكم مبرم بتجريم المستخدَم ومباشرة التنفيذ. حضرت دورية من الأمن الداخلي بعد أن أعطتهم العاملة عنوانها. وبدل مساعدتها بالعودة إلى منزل مخدوميها وتمكينها من شرح الموقف، سيقت فوراً إلى السجن. وهناك كان بانتظارها حكم غيابي بالسجن مدة أربع سنوات بدعوى فرارها من منزل مخدوميها السابقين، الأمر الذي يطرح بطبيعة الحال مدى قانونية استخدامها لدى مخدوميها الأخيرين، لجهة تأمين إجازة عمل لها، ولجهة تجديد إقامتها. مع العلم بأن دعوى الفرار بحدّ ذاتها التي لم تكن العاملة على علم بها، كما تدعي، توحي أن لزوجها السابق وأهله دوراً في اختلاقها بالنظر إلى حرمانها مجرد رؤية ابنتها. الأدهى من ذلك أن العاملة أنهت حكم الأربع سنوات، ولا تزال قابعة في سجنها.
لم يتسنَّ لها استئناف الحكم لأنه ما من أحد سأل عنها في السجن، ولا من محامٍ تكفّل بالدفاع عنها. انقضت السنوات الأربع، وللأسباب نفسها لا تعلم كم ينتظرها من السنين بالنسبة إلى التهمة التي أوقفت لأجلها، فهي لم تمثل أمام أي قاض، ولم تخضع لأي استجواب.