علاقة ثلاثي «البطريرك ــ رئيس الجمهورية ــ والزعيم الماروني الأقوى»، كانت دائماً عامل استقرار في الوضع اللبناني. تاريخيّاً، تعرضت علاقة هذا الثلاثي لكثير من الهزات، ولا سيّما مرحلة تردي العلاقة بين البطريرك بولس المعوشي والرئيس فؤاد شهاب، ولاحقاً بين الكاردينال بطرس صفير والرئيس إميل لحود. في فترة تربّع صفير على سدّة البطريركية، هتف مناصرو حزب القوات اللبنانية له مراراً بلقب «أبو سمير»؛ إذ لم يكن أمر المودة والدعم الذي يجمعه برئيس القوات سمير جعجع أمراً سرّياً، كما كان مفخرةً للقواتيين. واحدة من أشرس معارك صفير كانت معارضته التمديد للحّود، بيد أنه وقف في وجه حملة «فِلْ» التي أطلقتها قوى 14 آذار. ليس حرصاً على لحود نفسه أو دوره السياسي، بل لرمزية الموقع وحرصه على عدم التفريط بالموقع الماروني الأول في النظام اللبناني. لا يمكن مقارنة العلاقة بين سليمان والراعي بتلك الملتهبة التي كانت تربط لحود بصفير. فرغم حالة «العتب» التي يضمرها سليمان لبطريرك أنطاكية وسائر المشرق، إلا أن مصادر «جمهورية» تؤكّد اتفاق الطرفين على «الحدّ الأدنى من التوافق والاحترام».
علاقة الراعي بسليمان قديمة. كان الراعي مطراناً لأبرشية جبيل المارونية، وسليمان قائداً للجيش. إلا أن مركز المطرانية في عمشيت جمع الرجلين في لقاءات دائمة، موطّداً العلاقة الشخصية، وبالتالي انسحب هذا الود على العلاقة السياسية. وقف سليمان إلى جانب الراعي في كثير من المواقف. في وقت كانت فيه كل «أبواق» 14 آذار تحمل على الراعي بعد زيارته سوريا لحضور تنصيب البطريرك يوحنا اليازجي، أظهر سليمان دعمه له، مؤكّداً أنه «ليس على رئيس الجمهورية أن يقول للبطريرك ما هو واجبه، أنا مع هذه الزيارة». هذا في المواقف، أما على الأرض، فـ«طلبات الكاردينال تلبى جميعها: تعيينات، وظائف، قرارات، هناك تنسيق كامل بين الطرفين»، يقول المصدر.
منذ انتخاب الراعي بطريركاً، لم ينشب أي خلاف يوتر العلاقة بين الرجلين، حتى في موضوع اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي لم تنقطع العلاقة؛ «لأن البطريرك لم يتمسك به، ولم يمانع أن يتوافق المسيحيون على قانون آخر يضمن حقوقهم». قصة «العتب» الجديدة بدأت بعد اجتماع بكركي الأخير الذي ضم الأقطاب الموارنة ودُعي إليه الوزير مروان شربل. تشير مصادر بكركي إلى أن الاجتماع «تقرّر من أجل مناقشة الخطوات الضرورية التي تُعطل قانون الستين، ما دام لم يُعدل». اتفق المجتمعون يومها على عدم تقديم الترشيحات إلى الانتخابات، والطلب من شربل التوقف عن قبول الترشيحات، بالإضافة إلى تعليق النقاش بـ«الأرثوذكسي» لمدة شهر، «الأمر الذي أراح الرئيس نبيه بري».
انزعج سليمان من الاجتماع ومن استدعاء شربل من دون علمه، على اعتبار أنه جزء من حصته. تقول مصادر القصر الجمهوري إن رئيس الجمهورية «تضايق» لأن بكركي غيّبته عن هذا الموضوع، متسائلاً عن السبب الذي يدفع البطريركية المارونية إلى أن تظهر «كأنها الطرف الوحيد الذي يريد تأجيل الانتخابات أو تطيير الاستحقاق». تبرر المصادر امتعاض الرئيس بالهاجس الذي يعيشه الأخير «لا يمكن تأجيل استحقاق كهذا في عهده؛ فهذه الخطوة ستحسب عليه للتاريخ»، كذلك فإنه «وعد الراعي بأنه لن يسير في قانون الستين، والطابة اليوم في ملعب مجلس النواب».
لم تقتصر «السلبية» على بعبدا، إذ قابلتها «سلبية» مضادّة من جهة بكركي، لم يعبّر عنها الراعي شخصياً، بل عبّر عنها المطارنة والمسؤولون؛ إذ نقل المصدر ما عبّر عنه المطارنة من أن «الرئيس لا دخل له ليقول لبكركي ماذا تفعل وما لا تفعل، وهي لا تطلب إذنه في القرارات والخطوات التي ستتخذها».
تنفي مصادر بعبدا أن يكون الرئيس في وارد الإملاء على قرار بكركي، «لم يطلب التدخل أو المشاركة في الاجتماعات السابقة التي عقدتها بكركي، جُل ما أزعجه استدعاء وزير يُحسب عليه من دون إعلامه وتصعيد الموقف من دون وضعه في الجو».
امتعاض سليمان أزعج الراعي، «لم يرد سيّدنا أن ينزعج الرئيس». يعزّ على صاحب «الشركة والمحبة» أن يتكرر سيناريو صفير ــــ لحود في عهده، أو أن تنقطع الصلة بين الكرسيين المارونيين الأساسيين في الجمهورية. الراعي، الذي يجيد جيداً لعبة تدوير الزوايا وإعادة تموضعه وجذب «الأفرقاء السياسيين» إليه، زار بعبدا قبل رحلته الأوروبية. البيان الرسمي الذي صدر أعلن إبلاغ الراعي لسليمان بفرحة اللبنانيين بتكليف النائب تمام سلام لتشكيل الحكومة وتمنياته «أن تتم الفرحة الكبرى بإجراء الانتخابات والتوافق على قانون جديد». بيد أن مصادر الراعي قالت إن «اللقاء كان مقصوداً من الراعي لنفي الأقاويل عن خلاف بين الرجلين، إضافة إلى أنها كانت مناسبة للبحث في الملفات الخلافية. كذلك أعادا تأكيد الرفض التام لقانون الستين، واتفقا على التنسيق الدائم».
بعد غسل القلوب، قَبَّلَ الراعي وسليمان وجنتي بعضهما، لتعود المياه إلى مجاريها. توجه الراعي إلى المطار سعيداً بالأجواء الإيجابية التي سيطرت على اللقاء حسب ما أسرّ إلى مرافقيه، واعتز سليمان بنفسه بعد وعود الكاردينال له بأن يُشرَك بالقرارات لاحقاً.