يصفّ العديد من أهالي بنت جبيل ومرجعيون أواني منزلية على سطوح منازلهم لتجميع مياه مطر نيسان فيها، قبل أن ينقلوها لاحقاً إلى عبوات مقفلة، يقرأون عليها بعض الآيات القرآنية والأدعية الموصوفة، ويحفظونها لاستخدامها عند الحاجة مع المرضى والمصابين بآلام متعددة على أمل الشفاء.
جميل هذا المشهد في نيسان. يذكّر بالعادات التي لا تزال تأخذ حيّزاً لافتاً من اهتمام الأهالي وربّات المنازل. «إنه شهر الخير عندما يحلّ المطر فيه»، تقول فاطمة بركات التي وضعت على سطح دارها العديد من الأواني المنزلية من «طناجر وجاطات واسعة تسمح بجمع ما تيسّر من الأمطار المتساقطة». وعن آلية جمع الأمطار، تشرح أنّ من الضروري أن يجري ذلك «مباشرة من السماء، قبل أن يقع أرضاً، لكي يُستفاد منه لشفاء المرضى وتحقيق الأمنيات التي نحلم بها».
تتسابق فاطمة مع جاراتها على جمع هذه الأمطار، تقول ضاحكة: «استطعت أن أجمع أكثر منها، وهذا من فضل ربّي عليّ، لأنني سأستفيد منه لاحقاً لقضاء حاجات عائلتي؛ فنحن نؤمن بأنّ مطر نيسان يجلب الخير لنا، وعلينا أن نستغلّه». وتستند في ذلك إلى بعض الأمثال الشعبية مثل «مطر نيسان يطول شعر الإنسان»، «بنيسان بتشتّي عشية بتمشي الصبح محفية» و«ذهب نيسان ذهب كيزان»، وكيزان جمع كوز ويصير المعنى مطر نيسان كالذهب في الجرة.
في بلدة العديسة المجاورة، جمعت أم أحمد رمّال أكثر من 50 قنينة مياه صغيرة، وبدأت بقراءة الأدعية والآيات القرآنية، وهي باتت مقصد العديد من أبناء قريتها الذين يقصدونها لشرب كوب صغير من المياه بعد «الرقية»، وهي العبارة التي يستخدمها الأهالي بعد قراءة القرآن والأدعية لشفاء المرضى. تقول: «بعد القراءة على المياه، تصبح دواءً يمكن الاعتماد عليه لشفاء المرضى من أمراضهم المتعددة، وقد استفاد الكثيرون منها»، لافتة إلى عدم جواز بيعها أو التفريط بها؛ إذ «نمنع هدرها ونحتفظ بها لسنة أو أكثر، حتى نستطيع جمع غيرها». وتشير إلى أن «أكثر الذين يأتون لشرب هذا الماء هم من الذين يشكون العقم وأوجاع الرأس، أو الذين حُرموا إنجاب الذكور». ومما يطلبه الأهالي من أولادهم في هذا الشهر «أن يمشوا تحت المطر لتبتلّ شعور رؤوسهم وتزداد طولاً وقوّة» كما تقول أم أحمد رمّال.
للمزارعين حصتهم أيضاً، كما يقول حسن مزرعاني؛ إذ «كان المزارعون ينتظرون أمطار نيسان بفارغ الصبر لإحياء مزروعاتهم، وعند تساقط المطر في نيسان يعتقدون أن الخير سيعمّ على الأهالي طوال السنة، بسبب وفرة الإنتاج الزراعي، المصدر الوحيد لمعيشتهم. لذلك، كانوا يجمعون أمطار نيسان ويستخدمونها في علاج مرضاهم، معتبرين أن الله حمل كلّ الخير مع هذه الأمطار».
وبالفعل، عبّر الكثيرون عن فرحتهم بالأمطار التي تساقطت أخيراً، ورأوا أنها نعمة حلّت عليهم لريّ مزروعاتهم البعلية، بسبب ندرة المياه صيفاً، وعدم وجود مشاريع للريّ تعوّض جفاف المناخ، كما حصل في العامين الماضيين. وقد يكون مزارعو التبغ في القرى أكثر من رحّب، وهم الذين اضطرّوا في العام الماضي إلى شراء المياه لريّ شتولهم بعدما توقف هطل الأمطار في شهر آذار. يحصي محمد حيدر المبالغ التي وفّرها عليه تساقط الأمطار هذا العام في شهر نيسان، فيقول: «على الأقل خفّف عنّا مطر نيسان ما يزيد على 500 ألف ليرة لبنانية كنا سنضطرّ إلى دفعها لريّ شتول التبغ التي غرسناها باكراً». ويشير إلى أن «المزارعين اليوم يستبشرون خيراً بإنتاجهم الزراعي القادم»، ويعتقد أن «عادة جمع الأمطار في شهر نيسان، أمر ليس مستغرباً؛ لأن المزارعين يعرفون سرّ هذا الخير الذي يتساقط لإنعاش مزروعاتهم وإنقاذ مواسمهم من اليباس والمرض، وكلّ مؤمن عليه أن يؤمن بأنّ مياه شهر نيسان قد تشفيه من الأمراض، كما تشفي المزارعين من الحاجة والفقر».