يوجد على طاولة رئيس محكمة المطبوعات روكز رزق اليوم 71 ملفاً، من بينها الدعوى المقدّمة من المدير التنفيذي لـ «سبينيس» مايكل رايت و«سبينيس»، على الوزير السابق شربل نحاس، بتهمتي القدح والذمّ. لكن القاضي رزق لن يستطيع العمل إلا على 30 منها، لأن المحكمة لم تنجح في تبليغ المعنيين في الدعاوى الـ41 الباقية، «ومن بينهم نائب حالي ووزير سابق يتعذّر تبليغه منذ عامين» يقول رزق، شارحاً حال المحكمة التي يرأسها منذ خمس سنوات.
في ظلّ هذا الواقع، كان يمكن الوزير السابق نحاس أن لا يحضر اليوم جلسة الاستماع إليه. الحلول القانونية التي يمكن أن يلجأ إليها كثيرة، منها عدم التبلّغ كما يفعل غيره، ومنها اللجوء إلى إجراءات روتينية من قبيل الدفوع الشكلية وغيرها. لكن نحاس لم يشأ ذلك. اختار أن تسير الأمور بوتيرتها، لكي يجعل من جلسة الاستماع إليه اليوم فصلاً جديداً من فصول معركته التي يخوضها ضد استغلال أرباب العمل للعمّال.
وقوفه اليوم أمام محكمة المطبوعات بسبب تصريحات أدلى بها في قضية عمّال «سبينيس» ليس إلا تتمة لمسار اختاره. هو لا يحتاج اليوم إلى من يؤكد التزامه الدفاع عن حقوق المواطنين، ولا إلى تبرير ما قاله بحق رايت. بالعكس، قد تشكل الدعوى التي رفعها الأخير ضدّه فرصة لبرهنة كلّ ما قيل بالوقائع، بما أن نحاس مقتنع بأن ما صرّح به ليس قدحاً وذماً، بل سرداً لحقائق يفترض أن يؤدي كشفها إلى مصلحة عامة. بناء عليه، من المتوقع أن يحوّل نحاس الدعوى المقامة ضدّه إلى معركة حريات. إلى المطالبة بحق المواطن في تسمية الأمور بأسمائها، من دون أن يكون سيف «القدح والذم» مصلتاً عليه خصوصاً عندما تكون الدولة بكامل أجهزتها متراخية عن القيام بواجباتها. ويمكن التفاؤل بما سيحققه نحاس اليوم، بعدما أجرى تمريناً ناجحاً على ذلك في «بيت المحامي» أمس. حصل ذلك خلال الجلسة الأولى من مؤتمر «العدالة ووسائل الاعلام»، والتي حملت عنوان «القاضي ووسائل الإعلام»، وعرض خلالها رئيس محكمة المطبوعات روكز رزق لأبرز الدعاوى التي ينظر فيها وهي: الأخبار الخاطئة، الأخبار الكاذبة، المسّ بكرامة الرؤساء، القدح والذم. بعد انتهاء المحاضرين، صبّت أسئلة الحاضرين على جرم الذمّ. وكانت البداية مع طرح من المحامي نديم سعيد للإشكالية التالية:
«هناك سيدة تسير في ساحة عامة، تعرّضت للسرقة من أحدهم وكان الشرطي يقف في مكان قريب لكنه لم يعر الأمر اهتماماً. انبرى أحد المواطنين ولفت نظر الشرطي إلى ما حصل، فأجابه الأخير بأنه سيتصرّف وسيعاقب اللص، لكنه لم يحرّك ساكناً. اتصل المواطن بشقيق الشرطي، ووالده، وأقاربه، وكان يتلقى الوعد دائماً بأنه سيتصرّف ليردع السارق ولم يفعل. وكان الأخير يكرّر فعلته مع السيدة إلى درجة إرهابها. عندها رأى المواطن أن من واجبه أن يتصرّف، رفع لافتة يقول فيها إن «السارق سارق، وإنه لا يكتفي بذلك فحسب بل يرهب ضحيته»، علّه بذلك يدفع الشرطي إلى التصرّف. وكانت المفاجاة أن المواطن استدعي إلى المحكمة، لأن اللص الإرهابي رأى أن اللافتة تسيء إليه».
السؤال الذي طرحه سعيد على القاضي رزق كان: ما هي الحدود التي يمكن وضعها لجرم الذمّ بحيث لا يستفيد منه اللص، وربما الشرطي أيضاً؟ وجاءت الإجابة على لسان رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر: «يمكن المواطن أن يخبر، أن يدين، وليس أن يشهّر. لا يجب أن يقع في الخطأ». هنا تدخل نحاس، مستفيداً من المثل السابق ليسمي الأمور بأسمائها «إذا اعتبرنا أن السيدة هي العمّال اللبنانيون، ورجل الشرطة هو وزارة العمل، أما اللص فأترك لكم أن تحزروا من يكون. فهل يكون المواطن مخطئاً إذا انبرى للقيام بواجبه؟». بشكل أوضح: هل يسمى وصف ما قام به شخص معيّن بأنه ذمّ؟ ورأى شربل أنه عندما تتأرجح الدولة، يجب على المواطنين التحلي بشجاعة القول والإدانة والشجاعة مطلوبة أكثر في حال وجود ضغوط مالية وسياسية على المسؤولين. وفي هذه الحالة يجب أن تحميهم القوانين لا أن تضيّق عليهم، مشيراً إلى القوانين التي تحدّ من حرية التعبير، تضيّق من حرية التعبير». وسأل القاضي صادر «ما هو الحدّ الذي يفترض أن تضعه العدالة، لتهمة الذم، لكي لا تتسبب بشلل يمنع كشف الحقائق؟».
وهو السؤال نفسه الذي طرحه المحامي نزار صاغية، مذكراً بالمادة 387 من قانون العقوبات التي تعفي مرتكب الذمّ من العقاب إذا أثبت كلامه في حق موظف عام. ولفت صاغية «صحيح أن رايت ليس موظفاً عاماً، لكن الموقع الذي يشغله حساس، هو معني بأكثر من ألف موظف، القضية اجتماعية كبيرة كما أنها تتعرض لحرية دستورية اساسية هي الحق في العمل النقابي». بناء عليه، يبدو صاغية مقتنعاً بأنه «في دول تعاني الأزمات التي يعانيها لبنان على مختلف المستويات، يصبح التشهير في القضايا ذات المصلحة العامة حقاً من حقوق المواطن، بل واجباً».
هنا، كانت مداخلة للمحامي الفرنسي جان إيف دوبو، الذي أشار إلى أهمية أن يلحظ القاضي النية الحسنة المتوفرة لدى المدعى عليه، وهو ما ينطبق على تصريحات نحاس، التي لا تتوافر فيها النية الجرمية وتأتي في سياق نشاطه الاجتماعي والسياسي دفاعاً عن حقوق العمّال.
يذكر أن دعاوى رايت طالت أيضاً الزميلين محمد زبيب وحسن شقراني، بسبب مقالات التي كتباها عن الشركة حقوق العمال فيها والطريقة التي عوملوا بها في معركتهم لتأسيس نقابة.