زياد في قرنة شهوان

زياد في قرنة شهوان. قلنا لكم، على غلاف الأخبار منذ فترة إن زياد «ينتشر». وهو ينتشر تحديداً في المناطق التي تبدو عن بعد وكأنها ذات لون «عسكري معادٍ»: لون اليمين اللبناني المرقّط ولو أنه حالياً لا يزال تحت البزّة المدنية. في تلك المناطق «المحرّمة» أو التي تبدو كذلك في الذهن اللبناني المنقسم «شرقية وغربية» منذ نهاية الحرب الأهلية الساخنة، اختار زياد أن ينتشر.. في حركة معاكسة للمدّ الحالي، حيث يبدو أن التقوقع والعودة إلى «الكراعيب» العشائرية والمذهبية أصبح عنواناً للمرحلة، ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة بكاملها.إذاً؟ هجووووم، أو بالأصح؟ رداً على الهجوم، بعد حادثة «حفل ضبية» المفتعلة، حين وقف ثلاثة من الحضور تقاسموا أدواراً أمام عدسات الكاميرات لإيقاع الرحباني في فخ مصوَّر، تمهيداً لنشره على اليوتيوب في سياق الحملة عليه نتيجة مواقفه السياسية «المؤذية» لهم. إضافة إلى محاولة «مصادرة» حفل تكريم الفنان في الجامعة الأميركية، بالطريقة ذاتها تقريباً. في هذا السياق، جاءت حفلة قرنة شهوان كـ«صفعةٍ لهؤلاء» رنّت أبعد من رأس بيروت. لا بل ك"سحسوح" دوّى صوته على رقاب من يقف وراءهم. واختيار القرنة ربما كان بسبب ما تعنيه في المخيّلة السياسية العامة. فهي تحوّلت إلى رمز للقاء سياسي يميني عقد فيها العام 2000، بغضّ النظر عن إرادة سكانها، ربما. هكذا، ربما أيضاً، حاولت «القرنة ـ الضيعة»، برعاية البلدية شخصياً، أن تدافع عن نفسها ضد «الماركة المسجلة» التي التصقت بها، فدعت زياد إلى حفل كان عنوانه يكفي ليعادل قوة «الماركة» السابقة، أي «زياد الرحباني في قرنة شهوان». والعنوان إلى كونه عنواناً، هو خبر في الحقيقة، خبر انتشر مطبوعاً على تيشيرتات المسؤولين عن التنظيم، وطلب شراؤه الكثير من الحضور، ربما تبنّياً، لكنه لم يكن متاحاً للبيع. لليلتين، تنافس حضورهما على الإشادة بالبرنامج، امتلأت قاعة مدرسة مار يوسف، بالجمهور. كان منعشاً أن لا ترى الجمهور الاعتيادي لزياد، جمهور رأس بيروت. وجوه جديدة ومحبين جدد وقدامى جاء زياد إليهم بدل أن يجيئوا إليه. التنظيم كان أكثر من رائع. لم يكن قمعياً: أي أن القيّمين على التنظيم بدوا وكأنهم يجمعون ما بين ودّ القرويين وحزم الحزبيين. لم أستطع حضور الليلة الأولى، للأسف. ولكن الليلة الثانية، وبرغم تأخر دخول زياد إلى المسرح بسبب خطأ تقني، كانت ليلة من ليالي العمر. بدت حفلة قرنة شهوان «أكثر من حفلة»، كما قال الزميل إسكندر حبش في «السفير» في وصف دقيق. كانت أقرب إلى برنامج الحفلات الكبرى لولا غياب فيروز، ومليئة بالأصوات الجديدة، النسائية خاصة: من بشرى هاشم التي غنّت «رود جاك» و«بلا ولا شي» فانتزعت إعجاب الحضور بأداء صوتها الكلاسيك المتمرّن (وهي التي قال زياد إنه مضت على تعرفه إليها ساعات)، إلى فرح نخول التي تبدو خامة صوتها برقّة وبراءة نانسي عجرم، إلى منال سمعان مغنية الأوبرا السورية ذات الصوت المتمكن والغنية عن التعريف (ولو أنها تتلافى المبالغة بالطابع الكنسي لصوتها) إلى تينا يموت ذات البحّة المختلفة، إلى «النغشة» ناتالي بوصافي التي تنفع بالتمثيل أيضاً. وفي التمثيل اكتشفنا أيضاً، كصوت، سارة صليبا أصغر المشتركات في الحفل، والتي أدّت اسكتش البيانو. كما كانت هناك بالطبع المخرجة المتمكنة لينا خوري التي كانت مرتاحة في اسكتشاتها أكثر من المرات السابقة. بدا الكورال النسوي وكأنه نتاج تجريب مستمر لزياد منذ فترة طويلة بحثاً عن أصوات جديدة تلبي طلبه المتزايد بتزايد الأشكال الفنية التي يتطرّق إليها. هكذا استخدم «كاراكتر» كل صوت على حدة، «فعزف» عليها جميعاً، ووزع الأدوار كما في أوركسترا، واستخدمها كمجموعة، كما استخدم الأصوات الرجالية المعروفة للأذن في أعماله، ربما لتثبيت الطابع، من سليم اللحام في أغنية الزعيم الوطني، إلى بطرس فرح وغازاروس ألطونيان اللذان أبدعا في التمثيل (خاصة اسكتش «لحظات رفاقية» من «يه ما أحلاكم» والذي يناسب جداً الوضع الحالي في الحزب الشيوعي)، وبرجيس صليبا الذي شارك من بين الجمهور (وقف وقال عتابا قبل أغنية عودك رنان).. باختصار، كانت ليلة من العمر، التقينا فيها إلى زياد وفرقته، أهل القرنة الودودين والمنفتحين، حول مائدة عامرة بالموسيقى والنيات الطيبة. أما النجمة، التي كانت مختفية بين صفوف الجمهور، فلم تكن إلا المغنية الفلسطينية ذات الصوت الماسي كاميليا جبران، التي أخبرتنا عن سعادتها لمصادفة زيارتها لبنان مع حفلات زياد، والتي تمنّت أن يكون لها عمل معه قريباً. مَن يدري؟ ربما كان على زياد أن يجعلها تعتلي المسرح ذاته قريباً. تصوّروا: الفلسطينية كاميليا جبران تغني في قرنة شهوان! مَن يعرف؟ ربما سيشكر فارس سعيد ربه عندها، لأن القرنة توسّعت... وأصبح اسمها لقاء البريستول.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 5/15/2013 2:37:44 PM

العبقري يبقى عبقريا بغض النظر عن موقفه السياسي. ومن المليح أن من يخالفوه سياسيا لديهم ما يكفي من الوعي للاستماع إلى موسيقا زياد التي لا مثيل لها. دليل على وعي الشعب اللبناني الذي يتفاعل مع الآخر. شعب واحد رغم الانقسامات، ثقافة واسعة. شيء عظيم. ديمقراطية محمودة. ودليل آخر على التغلب على بعض آثار الحرب الأهلية التي نرجو أن تكون قد مضت دون رجعة.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 5/13/2013 10:47:32 PM

يا ليلة غزوة قرنة شهوان، وقد اتوا فيها ليشهدوا حفل الذي احيا البلاد فن ونقاشا من عين عار وبيت الككو وحبوس اجتمعوا في مار يوسف ليستمعوا لتخت الشرقي والنهوند، والبيانو،وللأصوات الصاعدة.ولعودك رنان وعلي كمان. تعمد زياد عبر حفلته ان يقول انا هنا وفي كل مكان وحتى بمعقل قرنة شهوان،الذي عقد لاؤل مرة في نيسان 2001, في التكتل الذي لا ينمتي اليه زياد ولا فنه، فالفن طوعه لعابر للتكتلات والمحاور،زياد عابر للحدود والمجرات، انه منتشر، ان عبر فنه او اعماله، فقرنة شهوان هي ماركة معروفة محلية، ولكن لم يبقى على قيد الحياة الكثر ممن قاموا بتآسيسها، ولكن ماركة زياد عالمية مصبوغة باللون اليساري الذي يطغى ايمنا حل فزياد قضى على اللون اليمني، حتى الهواء اعتزال اليمنية وطرب من موسيقىاه ،فقرر الانضمام الى لقاء البرسيتول، مما حدا بفارس سعيد تجنب المتن بالمستقبل نعم انه اكثر من حفل انها عملية اكتساح بالاسلحة الموسيقية. فيصل باشا/برلين

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 5/13/2013 10:03:52 PM

[...]مَن يدري؟ ربما كان على زياد أن يجعلها تعتلي المسرح ذاته قريباً. تصوّروا: الفلسطينية كاميليا جبران تغني في قرنة شهوان! مَن يعرف؟[...] ليش ما يقوموا أهل قرنة شهوان من حليقي الرؤوس؟ راكضين ورا الناس بالسواطير وخصوصاً الفنانين والفنانات! جيل حرب محروق ديكو المحدي ...

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم