لم يكن صباح وزارة الداخلية، أمس، يوحي وكأن قراراً اتخذ بين المجتمعين خلال الجلسة الأخيرة للجنة التواصل النيابية، الاثنين الماضي، على تقديم الأحزاب أوراق مرشحيها في اليوم التالي. لا زحمة مرشحين «ستينيين» في الباحة الخارجية، ولا ملفّات مكدّسة داخل مكتب الترشيحات. «شحّ» المرشحين دفع الصحافيين الى استدراج أحد المواطنين الموجودين بالصدفة في الوزارة لإبداء رأيه حول الانتخابات، علّهم بذلك يعوّضون عن «خبرهم الضائع». سريعاً يبدأون اتصالاتهم بنواب تكتل التغيير والاصلاح وتيار المستقبل والقوات والكتائب مرددين العبارة ذاتها: «نازلين عالداخلية؟».
سؤال قوبل بالنفي من مختلف الأحزاب، وكان أن بدأت الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة بلملمة الكاميرات والميكروفونات قبل أن يبدأ بعض المرشحين بالتوافد، ما أطال مدة بقائهم ساعة اضافية.
لا حاجة هنا لسؤال الوافدين ــــ على قلتهم ــــ ان كانوا مرشحين أم لا. يستبقون الصحافيين بالتعريف عن أنفسهم فور رصد أعينهم للكاميرات. «سجلوا»، يقول العميد المتقاعد عبد الرحمن يوسف، «أنا مرشح عن المقعد السني في زحلة». عين الأخير على مقعد عضو كتلة المستقبل النائب عاصم عراجي. يتريث في تسمية نفسه «مستقلاً»، بانتظار ما سترسو عليه المفاوضات المقبلة مع الكتل النيابية. انما الأكيد أن «نيابته» المفترضة لن تكون الا «في سبيل خدمة الناس وبناء دولة قوية»: «لا أطمح للزعامة ولا حابب الوجاهة». تكتفي الكاميرات بهذا القدر من كلمات يوسف، لكنه يعود ليلاحقها. «سجلو مجدداً. أريد توجيه رسالة الى رئيس الجمهورية»، يقول. لا تجذب كلماته اهتمام أي من الوسائل الاعلامية، فيبقى قابعاً في الباحة الخارجية بانتظار قدوم المزيد من الصحافيين، «لايصال رسالته الى الجماهير كافة». ثاني المرشحين من الشوف، دائما عن المقعد السني، ويدعى محمد عبدالله. رضخ عبدالله لدعوة وزير الداخلية وها هو يتقدم بأوراقه الى الوزارة وفقا «لقانون الستين الساري المفعول»: «أتيت بنفسي لأحرص على قانونية أوراقي، فبعكس النواب لا موظفين لدينا للاهتمام بهذا الشأن».
كان لافتاً، أمس، تقدّم وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال أحمد كرامي بطلب ترشيحه. نأى كرامي بنفسه عن قرار رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي عدم الترشح وفقا للستين، وقرر ارسال أوراقه تحسبا لأي «أمر واقع». هو مرشح عن أحد المقاعد السنية في طرابلس. ومن طرابلس الى صيدا حيث مرشح الجماعة الاسلامية علي الشيخ عمار الذي أكدّ «عدم تراجعه عن ترشحه منفرداً»، رافضاً التعليق على ما يمكن لهذا الترشح أن يخطف أصواتاً من درب رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة ويصبّ في مصلحة الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد.
قبيل اقفال الترشيحات على عشرين مرشحاً، دخل وسيم بربر العقيقي صارخاً: «أنا مرشح كسروان أضع ترشيحي في تصرّف النائب ميشال عون». يملأ مستنداته ليخرج مجددا خاطبا بالوسائل الاعلامية: «في عون بالرابية والعقيقي بكفردبيان. لست بحاجة لمشاورة عون في شأن ترشيحي، وقد أخذت موافقته مسبقا عبر الـ«telepathie» (أي توارد الخواطر). فليعلم ميشال عون أن له بيتاً صيفياً في كفردبيان من الآن وصاعداً»!

الأحزاب: «عالستين»

في موازاة حماسة مرشحي الوزارة، خمول لدى الأحزاب السياسية في انتظار أن يبادر أحدها الى تقديم تراشيح أعضائها، فتكرّ السبحة. وفيما سبق لجبهة النضال الوطني أن تقدّمت بغالبية أوراق مرشحيها الى الداخلية قبل مبادرة شربل الى تعليق المهل، لم تتلق الوزارة أي طلبات ترشيح من المستقبل والتيار الوطني الحر وحزبي القوات والكتائب وأمل وحزب الله حتى الساعة. لا يختلف هنا كلام المرشح القواتي عن أحد المقاعد المارونية في المتن الشمالي ادي أبي اللمع عن كلام منافسه العوني سليم سلهب. كلاهما تلقى اشارة حزبه بتحضير أوراقه وتقديمها الى الداخلية. كان عون واضحاً في ما قاله للنواب الحاليين قبيل جلسة التكتل، والمرشحين الطامحين من خلال اتصالات أجرتها الرابية. أوعز لجميع الراغبين بالمبادرة بالترشح مع تأكيده عدم الالتزام بتلك الترشيحات بانتظار أن يتمّ تركيب اللوائح اذا رست الانتخابات على قانون الستين. وقد حثت إشارة الرابية المرشحين في مختلف المناطق على اتمام المستندات المطلوبة لتقديمها في اليومين المقبلين. مسعود الأشقر (المقعد الماروني في الأشرفية) سيتقدّم بترشيحه وكذلك نقولا تويني (مقعد الأشرفية الأرثوذكسي). في المتن الشمالي، يستعد كل من المرشحين إلياس بو صعب (أرثوذكسي) ووليد أبو سليمان (ماروني) وجورج عبود وإدي معلوف (كاثوليك) لتقديم ترشيحاتهم اليوم. فيما أكّد المرشح الأرثوذكسي أنطوان نصرالله، أنه بعد سماعه كلام «الجنرال» في المقابلة الأخيرة، سيتقدم بطلب ترشيحه «في الوقت المناسب». من جهتهم، بدأ نواب التيار بتوكيل محامين خاصين لانجاز معاملاتهم مع الوزارة.
لا يختلف وضع مرشحي 14 آذار عن وضع سابقيهم. النائب عمار حوري سيترشح في مدة أقصاها يوم غد، ليس «سعيا وراء الانتخابات انما منعا للتزكية فقط». فالمستقبل كان واضحا برفضه لـ«الستين»، وفقا لحوري. لذلك «لن يتقدّم المرشحون من غير النواب»، يضيف حوري. زميله محمد الحجار هو الآخر سيتقدم بترشيحه مرة جديدة بناء على طلب كتلته. أما الاسباب فاثنان: «على الانتخابات أن تجري في أقرب وقت ممكن أولاً، وكي لا نقع في التباس لاحقاً اذا ما بقي الستين سارياً». من جانبهما، أبلغ حزبا القوات والكتائب مرشحيهما بضرورة تحضير أوراقهم من دون تحديد تاريخ تقديمها، الا أن مصادر الفريقين تشير الى يومي الخميس والجمعة.
رضخت الأحزاب السياسية أخيرا لحكم «الستين» الواقع وها هي تتحضر لاعلان ترشيحات أعضائها الواحدة تلو الأخرى. لا تهمّ هنا التصريحات السياسية الرافضة للقانون، المعادلة باتت واضحة: أطاحت «الدوحة» الأرثوذكسي والمختلط ونجحت في دفنهما، لا العكس. وحدها كتلة الوفاء للمقاومة لم تعط نوابها حتى الساعة إشارة للتقدم بترشيحاتهم أسوة بزملائهم، وفقا للنائب علي فياض. شأنها في ذلك شأن كتلة التنمية والتحرير. وفي المبدأ، مرشحو حركة أمل غير مستعجلين، فالأمر النهائي لإجراء الاستحقاق النيابي أو تأجيله بيد رئيسهم، رئيس مجلس النواب نبيه بري.