لم يغادر يوسف عبدلكي (1951) البلاد لأسباب كثيرة، كما يقول، فما تشهده سوريا «كان لحظة مُنتظرة، وليس معقولاً أن تدير ظهرك، فيما البيت يحترق». رأى أن كل من غادر البلد بمحض رغبته، «ارتكب خطأً بحق نفسه أولاً، وبحق سوريا ثانياً. أستثني بالطبع، أولئك الذين كانوا يعيشون مخاطر أمنية. لحظة فريدة كهذه، محمّلة بالدم والأمل، تفرض على المرء البقاء، لا الفرار».

في المقابل، يعترف بأنّ ما نعيشه اليوم، هو «لحظة مفصليّة، لم نعشها منذ 100 عام، سواء لجهة الخسائر البشرية أم لجهة العناصر المتشابكة والمعقدّة والغامضة، إذ يتداخل القمع السياسي بعملية استنزاف الثروة، كأن المطلوب استمرار هذا الوضع من دون اعتراض أحد». ويعيد التشكيلي السوري هذه الصورة المركّبة إلى مخزون تاريخي من الطائفية والرهاب الجماعي من العمل السياسي، ما «أدى إلى شرخ كبير بين الطوائف، وجرعة إضافية من القمع السلطوي، ذلك أنّ الظلم الذي عاشته الأقليات في العهد العثماني، طوال أربعة قرون، عبر تهميشها الطويل، ظل حاضراً في الذاكرة الجمعية، وهو ما أدى إلى احتقانات تاريخية لم تخبئ نفسها يوماً». ويرى أنّ رجال الاستقلال اشتغلوا على قلب هذا المجرى نحو فكرة «دولة لكل الطوائف، وإعلاء سمة المواطنة فوق سمة الطائفية. أما إلى أي درجة نجحوا في هذا المسعى، فهذا موضع تساؤل؟».
على المقلب الآخر، يشير إلى أن ما يجري اليوم، ليس صراعاً بين الطوائف، بل محصلة لما اشتغلت عليه الطغمة العسكرية لتحصين نفسها طوال عقود، إضافةً إلى ارتهان بعض التيارات للتمويل الخارجي في استثمار الدم السوري في الصراع، وغياب النقد الجذري لمجريات الثورة، وهو ما أساء إلى صورتها الزاهية التي كانت تعبيراً صريحاً عن «الضيق بالاستبداد والذّل وامتهان الكرامة البشرية». وبخصوص نظرته إلى إمكانية هيمنة التيارات السلفية المتشدّدة على مستقبل البلاد، لا ينكر أن الصورة سوداء اليوم «فنحن الآن وسط النفق الأسود، لا العودة إلى السلمية ممكنة، والتقدم ـــ ربما يكون ــ باتجاه الهاوية». ويضيف: «أنا متفائل على المدى البعيد، ذلك أنّ التغيير سيفرز على السطح حالة من الاضطراب والخوف، وتسلّط بعض التيارات السلفية، لكن سوف يجري تحجيمها تدريجاً. ليس لدي أية مخاوف مستقبلية من المجموعات الجهادية، ففي بلد متعدد الطوائف، لا يمكن أن تحكمه فئة محدّدة، فهي ستجد نفسها، في نهاية المطاف، معزولة عن السياقات الأخرى، وستُهزم حتماً».