عكّا | من غزة إلى القدس، طافت «احتفالية فلسطين للأدب 2013» (بالفِسْت) في سنتها السادسة، مراهنة على «قوة الثقافة» في كسر الحواجز والجدران التي صنعها الاحتلال والتسويات السياسية. الاحتفالية التي اختتمت أخيراً، تبدو أقرب إلى آمال الكتّاب الذين رعوا انطلاقتها عام 2008: النيجيري تشينوا أتشيبي متأملاً ارتفاع صوت الثقافة على صوت الحرب، والبريطاني جون برجر قارئاً قصّة لغسان كنفاني تروي عذاب اللاجئين الفلسطينيين، لتكون جملة إدوارد سعيد «قوة الثقافة في مواجهة ثقافة القوة» هي الرؤية التي تتواتر حولها أمسيات الاحتفالية كل عام.
دعوة كتّاب عالميين للوقوف على حواجز الاحتلال العسكرية، والاحتكاك بالواقع الفلسطيني، ليسا فكرة «بالفِسْت» الوحيدة، بل تسعى إلى توحيد جغرافيا فلسطين وشعبها في احتفالية ثقافية جامعة، وهو ما دفع منظمي النسخة الأخيرة إلى إقامة أُمسياتها في جميع مدن فلسطين التاريخية. هكذا احتشد الجمهور في غزة ورام الله والقدس وحيفا ونابلس، على مدار ثمانية أيام، للاستماع إلى الشعر والموسيقى والغناء، ومشاهدة أفلام سينمائية، والانخراط في ورش عمل مع كتّاب من جنسيات مختلفة.
الاحتفالية نجحت في أن تجعل نخبة من كتّاب العالم شهوداً على الواقع الاستعماري وفظائعه في فلسطين المحتلة، كذلك استطاعت أن تكون مهرجاناً أدبياً نوعياً حقق نجاحاً مذهلاً وسمعة عالمية. رغم واقع الاحتلال وعقباته، انطلقت الاحتفالية من قطاع غزة، بعدما أُقيمت فيها العام الماضي، مُحتفية بمثقفيه وجمهوره وكاسرة للحصار الذي فرضه عليه الاحتلال. كان هناك تركيز على وضع القطاع الذي لم يتوقف حصاره في عهد الإخوان لمصر. تقاسمت غزة النشاطات مع القدس المحتلة، فقرأ فيها الروائي عاطف أبو سيف، والشاعر عثمان حسين، والناشط والمدوّن علاء عبد الفتاح والكاتبة والصحافية لينا عطاالله في «دار الباشا». ووجّه الصحافي علي أبو نعمة، مؤسس موقع «الانتفاضة الالكترونية»، تحية عبر السكايب إلى المشاركين في أمسية القدس المحتلة، حيث قرأت الروائية المصرية أهداف سويف ـــ الرئيسة المؤسّسة للاحتفالية ـــ نصاً يسرد قصصاً شخصية من الثورة المصرية، وشاركها في النقاش الكاتب البريطاني جيريمي هاردينغ، بعنوان «الريبورتاج الأدبي: حقيقة داخل الحقيقة»، والكاتبة ابتسام عازم
العاملة في موقع «جدلية».
في رام الله، قرأت الروائية جِيليان سلوفو من روايتها «تراب أحمر» التي تلتقط أجواء الأبارتهايد في جنوب أفريقيا. وترافقت القراءة مع عزف طارق عبوشي وغناء مايا الخالدي. وفي مواعيد أخرى، ناقش الجمهور في غزة فيلم «الثورة خبر» مع الصحافية المصرية نورا يونس، بينما كان ستة من الكتّاب المشاركين مستغرقين في ورشات كتابة في مدينة بيرزيت، ومنها ورشة «التدوين كحرفة.. التدوين كفن» التي قدّمتها مارسيا لينكس كويلي، وهي محررة مدوّنة «الأدب العربي» باللغة الإنكليزية، وورشة «خلق الشخصيات والصوت في الشعر» للشاعر البريطاني توم وارنر.
ومن الخليل التي مشى الكتّاب في طرقاتها المخنوقة بالاستيطان، انتقلت المجموعة إلى «مسرح الميدان» وأمسية حيفا التي نُظّمت بالتعاون مع «جمعية الثقافة العربية»، حيث كانت كلمة لأهداف سويف، وسلسلة قراءات، وعُرض وثائقي قصير عن دورة العام الماضي من وجهة نظر مجموعة من المشاركين فيها، مع مقاطع من الندوات والأمسية وورش العمل. ثم اعتلى المنصة كاتب روايات الخيال العلمي تشاينا مييفيل الذي عبّر عن تأثره بزيارة فلسطين، وقرأ مقطعاً من رواية «المدينة والمدينة» بالإنكليزية، مصحوبة بقراءة مترجمة للفنان محمد بكري. أما الكاتب إياد البرغوثي فقرأ قصّة «وحيد في ليلة حرب مملة» من مجموعته «بين البيوت» إلى جانب الشاعر والروائي عامر حسين.
بعد جولة في أحياء حيفا مع المؤرخ جوني منصور، انتقل الكتّاب إلى نابلس وخاناتها القديمة، وفي «خان الوكالة»، قرأ نجوان درويش نصوصاً من مجموعته «فبركة» بمرافقة عود وصوت باسل زايد وفرقة «تراب» الموسيقية. وشارك أيضاً الكاتب والصحافي هشام نفّاع الذي صدرت له العام الماضي رواية بعنوان «انهيارات رقيقة» عن «دار راية»، إلى جانب الكاتب والمسرحي عمر خيري، والروائي مييفيل.
وكان الختام بإطلاق أُمسيات الصيف الأدبية التي أعطت الجمهور فرصة لتذوّق التجارب الكتابية والموسيقية الفلسطينية الجديدة في فضاء مفتوح. وكانت للأطفال حصة من الاحتفالية، حيث خُصص لهم يوم كامل أقيمت فيه عروض ترفيهية وورش رسم وكتابة في مبنى «بيت الكتابة الفلسطيني» في بيرزيت. اختتمت الاحتفالية مع وعود بترسيخها أكثر في الأعوام المقبلة كحدثٍ يجمع شتات الثقافة الفلسطينية في وجود كتّاب عالميين، متجولة في فلسطين: من النهر إلى البحر.