40.3 مليار دولار هي الأرباح التي حققتها المصارف الأميركيّة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري. مستوى قياسي، يُظهر مجدداً كيف أن نموذج عمل الشركات الكبرى في عالم المال والأعمال يولّد الأزمات وسرعان ما يُفيدها من فترة الانتعاش التي تلحقها، فيما يسقط العمال والفئات الهشّة عموماً كبش محرقة.
هو انعدام العدالة الذي يتسع عالمياً. ففي الولايات المتّحدة نفسها، حيث انطلقت شرارة الأزمة المالية والاقتصادية في عام 2007، قبل أن تنتقل إلى أوروبا وباقي الأقاليم، ازداد متوسّط الثروة الصافية لأغنى 7% من السكان خلال العامين الأولين من الانتعاش من 56% عام 2009 إلى 63% عام 2011؛ مع العلم أنّ الثروة الصافية للشريحة الباقية، التي تمثّل 93% من سكان البلاد، سجّلت تراجعاً.
على الضفّة الأخرى من الأطلسي، حيث تستمرّ مفاعيل الأزمة التي تحوّلت إلى مشكلات سيادية حقيقية تحديداً في بلدان الجنوب، يُمكن الحديث عن إسبانيا مثالاً بارزاً في لوحة الظلم الرأسمالي القائم. هناك، تراجعت الطبقة الوسطى من 50% عام 2007 إلى 46% عام 2010، وهي اليوم أدنى من ذلك دون شكّ حيث لا يزال البلد الأوروبي الجنوبي يعاني الارتدادات الاقتصادية والاجتماعية لأزمته الوخيمة. اليوم، يبلغ معدّل الشباب العاطلين من العمل في هذا البلد 55.8%، وهو الثاني الأعلى أوروبياً بعد اليونان، حيث يبلغ 58%.
يُشدّد خبراء منظمة العمل الدوليّة على هذه المعطيات في تقرير «عالم العمل 2013» الذي صدر أمس. يندّد التقرير بكيفية إدارة الاقتصاد العالمي، لدرجة أنّ عنوانه هذا العام هو: «إصلاح النسيج الاقتصادي والاجتماعي»؛ على اعتبار أنّ تزايد التفاوت في المداخيل يؤدّي إلى تمزّق المجتمعات وارتفاع منسوب الغضب الاجتماعي، وبالتالي الاضطرابات.
يتضمّن التقرير فصلاً خاصاً عن احتساب مؤشّر الإضرابات الاجتماعية. يتوصّل إلى أنّ بين 71 بلداً في العالم تتوافر عنها بيانات، ارتفع خطر الاضطراب الاجتماعي في 46 بلداً بين عامي 2011 و2012. ويصل هذا الخطر إلى مستواه الأعلى في بلدان الاتحاد الأوروبي (27 بلداً).
هذا الغضب مبرّر؛ إذ يحتاج العالم إلى أكثر من 30 مليون فرصة عمل في عام 2013 وحده لكي يعود إلى مستويات التشغيل التي كانت سائدة قبل الأزمة. اليوم يبلغ معدّل الاستخدام 55.7% عالمياً، ومعدّلات البطالة تزداد شراسة. من المتوقّع أن يرتفع عدد العاطلين من العمل من 200 مليون شخص حالياً إلى قرابة 208 ملايين شخص بحلول عام 2015. هذا يعني أنّ عدد الأشخاص الذين سيفقدون أشغالهم أو الذين سيُصدمون بجفاف الوظائف في سوق العمل خلال فترة العامين المذكورة سيُقارب عدد سكان السويد بمجملها.
وفي مقابل هذه الصورة الاجتماعية السوداوية، يشير التقرير إلى أنّ مخصصات كبار المسؤولين في الشركات عادت إلى الارتفاع بعد هدوء نسبي غداة الأزمة. في ألمانيا مثلاً، ارتفعت مخصصات المديرين الكبار بنسبة 25% بين عامي 2007 و2011، لتعادل 190 مرّة راتب العمل المتوسط. أما في الولايات المتّحدة، فالتفاوت فاقع أكثر، حيث يصل المعدّل إلى 508 مرّات.
وتختلف المعطيات على نحو ملحوظ بين البلدان الناشئة وتلك المتقدّمة. في المجموعة الأولى يتّضح أنّ نصف البلدان التي تشملها الدراسة – وهي 28 – سجّلت معدلات تشغيل تفوق تلك التي كانت سائدة قبل الأزمة العالمية. كذلك، إنّ معظم البلدان الباقية تسجّل نمواً في التوظيف وإن ليس على المستوى الذي كان سائداً عام 2007.
في المقابل، يبرز في البلدان المتقدمة المدروسة، وتحديداً بلدان منطقة اليورو (17 اقتصاداً) أنّ ستّة بلدان فقط من أصل 37 بلداً تسجّل معدلات تشغيل فوق المستوى قبل الأزمة العالمية.
يقول التقرير إنّ تعافي الاقتصاد العالمي لا يزال بطيئاً. صحيح أنّ العديد من البلدان النامية تسجّل ارتفاعاً في معدلات الاستخدام وتناقصاً تدريجياً في التفاوت في الدخل، غير أنّ الفجوة تبقى كبيرة بين الأغنياء والفقراء. لذا، «الكثير من الأسر التي تجاوزت خط الفقر معرضة لخطر الوقوع تحته مرة أخرى».
بالتفصيل، ارتفعت شريحة الدخل المتوسط في البلدان الناشئة من 263 مليوناً في عام 1999، إلى 694 مليوناً بنهاية عام 2010. وهذا يعني قفزة بنسبة 164%. رغم ذلك، ارتفع حجم الشريحة غير المستقرّة – أي التي تعيش مباشرة فوق خط الفقر – لتمثّل ثلاثة أضعاف حجم فئة الدخل المتوسط تقريباً.
في المقلب الآخر، تستمرّ معاناة الشعوب في البلدان المتقدّمة، وتحديداً الشباب بينهم. وإزاء هذا الوضع تجدد منظمة العمل دعوتها إلى وضع خلق الوظائف في صلب استراتيجيات النموّ.