لم يكن هناك «ميكروفون» واحد ناقص. الكل كان أمس أمام المجلس الدستوري: إعلاميين ومصورين وعساكر. الطاقم كامل. في تلك اللحظة التي كان فيها كل هؤلاء ينتظرون خروج أعضاء المجلس الدستوري للاستفسار منهم عن جو جلسات النظر في طعون التمديد للمجلس النيابي في الداخل، حضرت «الجماعة» مع صندوق البندورة واللافتة العملاقة التي تحمل صورة الممددين لأنفسهم.
انقلب المشهد كلياً. استدارت العدسات. صار الحدث عند الباب الخارجي للمجلس. هرول الإعلاميون بالاتجاه المعاكس، وهم يقولون «إجوا جماعة البندورة».
«ركب» اللقب سريعاً. تلقفه جماعة البندورة بكل ود. لم يكن مهماً الاسم في تلك اللحظات، بقدر ما كان المهم إيصال الرسالة التي دعوا من أجلها للاحتجاج، وهي «التمني على المجلس الدستوري إلغاء قانون التمديد للمجلس النيابي بشكل واضح وحاسم دون أي تفصيل آخر»، حسب ما ورد في البيان الذي وزعه أمس المنتفضون. وفي البيان أيضاً، تأكيد على رسالة أخرى، من أجلها قامت «إنتفاضة البندورة»، وهي «ملاحقة النواب الفاقدين للشرعية بجميع اشكال الضغط اللاعنفي حتى يخرجوا من الحياة السياسية إلى المكان الوحيد الذي يجب أن يوجدوا فيه وهو منازلهم»، يختم البيان.
«عل البيت». من أجل الوصول بالنواب إلى هذا المكان بالذات، ولدت انتفاضة البندورة. فمن هم هؤلاء المنتفضون؟
في الواحد والثلاثين من الشهر الماضي ــ تاريخ انتهاء ولاية المجلس النيابي ــ تجمع عدد من الشباب، منهم ممثلو حملات مدنية وآخرون ناشطون، أمام المجلس احتجاجاً على التمديد. كان النشاط مبرمجاً يومها ويحمل اسماً أيضاً «الحراك المدني للمحاسبة»، لذلك كان «كل شيء محضّراً كما يجب، بما فيها اللافتة التي طبعت عليها صور النواب»، يقول عربي عنداري، أحد الناشطين. في ذروة الاحتجاج، تحمست مجموعة من الشباب فقرروا رشق صور النواب بشيء، فلم يكن أمامهم... إلا البندورة. وصودف في تلك اللحظات الحماسية، مرور أحد النواب، لسوء حظّه، فرشقوه بحبات البندورة «لايف». سوء طالعه ولّد انتفاضة.
هكذا، ولدت الانتفاضة «العفوية» التي كنّيت «بالبندورة» إذاً. مر احتجاج المجلس النيابي، ولم تعد العفوية هي السمة، فبعد 12 يوماً من الاحتجاج أمام المجلس النيابي، صار الحراك مبرمجاً، على شاكلة الحراك الأوسع الذي ولد في كنفه ويحمل أهدافه أيضاً. وأمس، كان الحراك الأول المنظم الذي بدأه شباب انتفاضة البندورة من أمام المجلس الدستوري، وهيأوا له قبل أيام. أحضروا الصورة العملاقة للنواب «السابقين في أحسن الأحوال» والبيان واشتروا البندورة. ومن المفترض أن يكون يوم أمس نقطة بداية انتفاضات ستترافق «مع حركة النواب أينما ذهبوا، حتى لو رايحين ليسهروا رح نكون وراهم»، تقول هلا أبو علي. ومن المفترض أيضاً أن يبقى «الرشق بالبندورة هو الأسلوب الأمثل للتعبير عن نبذ الشعب لهم». وثمة هدف من اللحاق بهؤلاء ليس أقله «إثبات فشلهم في أداء مهامهم وفشل المجلس تالياً»، تتابع هلا. هذا الفشل الذي من المتوقع أن يوصل «للفشل الأكبر وهو المشكلة المتمثلة بطبيعة النظام ككل، وليس المجلس وحده الذي لم ينتج طيلة فترة حكمه قوانين تعطي الحقوق لأصحابها». والأمثلة هنا كثيرة، لعل أهمها مشاريع قوانين حماية المرأة من العنف الأسري والجنسية لأبناء اللبنانيات المتزوجات من أجانب وتعديلات إجازة الأمومة للأم العاملة والمادة 14 من الضمان الاجتماعي، وغيرها من مشاريع القوانين العالقة التي لن يسعفها التمديد في شيء، فيما لو تمّ.
مهلاً، ثمة ما لم نعرفه عن انتفاضة البندورة وهو السؤال الذي شغل الواقفين أمس أمام المجلس الدستوري، إعلاميون وعسكر، لماذا البندورة؟ ببساطة مفرطة، يجيب عنداري لأنها «الأرخص من غيرها من بين أنواع عديدة».. «وأشيك من الحذاء»، يقول آخر.