لن يمر 20 حزيران ثقيلاً على اللبنانيين. في ذلك اليوم، التي تنتهي فيه ولاية مجلس النواب دستورياً، ستخرج منظمات من المجتمع المدني ومجموعات شبابية وطلابية ونسائية ونقابية إلى ساحة النجمة، ليس بهدف التنديد بتمديد النواب ولايتهم، بل لمحاكمة نواب لم يعودوا يتمتعون بشرعية الانتخاب (على علّاته).
هؤلاء أطلقوا على أنفسهم اسم «الحراك المدني للمحاسبة»، واعتبروا عمل مجلس النواب باطلاً بعد هذا التاريخ.
هو «الحراك المدني للمحاسبة» إذاً، يبصر نوره منطلقاً من شرارة جلسة التمديد في 31 أيار الماضي. إلا أن «رشق البندورة» الذي ميّز «الشرارة» لن يكون «عدة الشغل» الوحيدة في معركة استعادة مجلس النواب. فممثّلو الجمعيات والمنظمات المشاركة في الحراك يتلاقحون الأفكار ويتناقشون بشأن الأشكال المثلى للتعامل مع استحقاق مصيري، أو هذا ما يفترضونه. هؤلاء نظّموا أنفسهم في لجان تنظيمية وإعلامية وطلابية تجتمع باستمرار، استعداداً لمحطة ستكون مفصلية، في خطتهم، ولكنها لن تكون الأخيرة، كما يجزمون، إذ يعدّون العدّة لحراك طويل على قاعدة أن ما بعد 20 حزيران لن يكون كما قبله.
النواب لن ينجوا من «جردة الحساب»، هكذا يسمّيها ممثل الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات (لادي) سامر عبد الله. برأيه، استنفد المجتمع المدني كل وسائل المتابعة السلمية والقانونية للمسائل الحياتية للناس وبات يحتاج إلى البحث عن آليات عملية ولاعنفية للمحاسبة. هل وضعتم فعلاً هذه الآليات؟ يقول عبد الله إنّ «اليوم الانتخابي هو بحدّ ذاته مفصل رئيسيّ لنا لمحاسبة السلطة». ومع ذلك سيعمل «المنتفضون»، كل من موقعه وانطلاقاً من القضايا التي يقاربها (الإصلاحات الانتخابية وحقوق المرأة والعنف الأسري والمعوّقون وغيرها)، لإدانة النواب على فشلهم، وإسقاط أي مبرر لتمديد ولايتهم، سيؤسس الحراك لمحكمة شعبية علنية تبدأ في اليوم المعهود. يعني ذلك أنّ أصحاب الشأن في كل ملف من الملفات سيتولون المرافعة عن تجربتهم في القوانين التي طرحوها وتابعوها وسيوجّهون الاتهامات للنواب.
يقول عبد الله «سواء قَبِل المجلس الدستوري أو لم يقبل بالطعنين المقدمين من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، فإنّ ذلك لن يغيّر شيئاً في الحراك لجهة رفع سقف المطالبة بإجراء الاستحقاق الانتخابي فوراً وفي مهلة لا تتعدى 3 أشهر كحد أقصى، فالحديث عن 6 أشهر مرفوض بالمطلق، إذ ليس منطقياً إجراء انتخابات بحسب طقسهم والتمديد مرفوض بكل المقاييس»، ويضيف «بنينا نواة لحراك سيكون انعكاسه قوياً وفعالاً». يراهن عبد الله على تجربة سابقة «استطعنا أن نجمع فيها نحو 2000 شخص حول قضية معينة. ومع ذلك، لا يُخرج هذا الطموح الشاب من واقعيته. يدرك أننا «كمجتمع مدني لا نستطيع أن نحاكي ما تشهده ساحات تركيا لأسباب تاريخية لها علاقة بفشل الأحزاب غير الطائفية في محاسبة الطغمة الحاكمة ونجاح الأحزاب الطائفية في تكريس الروح الزبائنية والطائفية».
زميلة عبد الله في الجمعية سحر طباجة تشرح أن نواة الحراك هي الجمعيات والمنظمات المنضوية في الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي التي تداعت إلى عقد اجتماع أول موسع استمر 3 ساعات ونصف، وناقش آليات التحضير للحدث، ومنها إنجاح الحشد في 20 حزيران، مع تنفيذ تحركات مرافقة ترفض التمديد. أمس، دعم «الحراك المدني للمحاسبة» الاعتصام الذي نفذته جمعية شمل أمام المجلس الدستوري (تحت اسم انتفاضة البندورة) لدعم الأخير في مواجهة الضغوط السياسية والطائفية التي تمارس عليه ولتشجيعه على إلغاء قانون التمديد بصورة كاملة ومطلقة ومن دون أي تفصيل. ويكرر رئيس الهيئة الإدارية للجمعية مازن أبو حمدان أننا «نعتبر النواب غير شرعيين بعد 20 حزيران وسنتصرف على هذا الأساس، لذا سنذهب إلى ساحة النجمة وسنرابط هناك».
وفي الموعد المفترض لإجراء الانتخابات، الأحد في 16 الجاري، سينظّم الناشطون والناشطات انتخابات صورية للتصويت على الموقف ضد التمديد.
يوضح الناشط في اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني عربي العنداري أنّ النشاط يعبّر عن توجهات الناس ويحفّزهم على فكرة المحاسبة أكثر من المحاسبة نفسها. سيقول الناشطون للمواطنين إنّ «حقوقكم واحدة وخصمكم واحد في كل القضايا: من عدم إعطاء المرأة الجنسية لأولادها، إلى غياب التغطية الصحية الشاملة، إلى عدم إقرار الموازنة». الأهم، برأيه، عدم اقتصار الخطوة على محاكمة «ممثلي» الشعب بالقول لهم «عودوا إلى بيوتكم»، بل ربط هذا الفشل بفشل التركيبة السياسية والنظام اللبناني، فعدم إقرار قانون انتخابي جديد وتمديد المجلس لنفسه هو دليل آخر على هذا الفشل. يعوّل العنداري على نجاح المحاولة بإنتاج خطاب يحاكي الناس بصورة مباشرة بالبناء على تراكمات سابقة.
لن يكون العمل عفوياً هذه المرّة، تقول ممثلة التجمع النسائي الديموقراطي منار زعيتر، بل «سنستنفر كل القوى للتمسك برزمة الإصلاحات الانتخابية ودعم إقرار قانون جديد للانتخابات يعتمد التمثيل النسبي خارج القيد الطائفي». وتردف: «ما بدنا نكرّس سابقة إفلاس أهم سلطة بالبلد، فيصبح التمديد للمجلس عرفاً كلما وقعت أزمة سياسية إقليمية، بكل ما يعني ذلك من تمديد للأزمات الاقتصادية والاجتماعية وغياب دور المحاسبة والتشريع والرقابة على عمل السلطة التنفيذية». هكذا أعطت حركة 31 أيار العفوية، بحسب زعيتر، دفعاً رمزياً هزلياً يمكن التأسيس عليه. تعرف الناشطة المدنية أنّ الخطوة قد لا تحقق نتائجها المرجوّة، لكننا «لن ندع طبقة سياسية، فشلت في إقرار قانون يمثل كل الناس، تسرح وتمرح كما يحلو لها. لن نسمح بانهيار الدولة. سنخوض حركة اجتماعية بالإمكانات المتاحة خارج الاصطفافات المذهبية والطائفية ولمنع الانفجار».
الطلاب ليسوا بعيدين عن المعركة، بل منخرطون فيها عبر ممثلين عن الأندية العلمانية في الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية الأميركية والجامعة اليسوعية والجامعة اللبنانية. لن يتمايز هؤلاء في تحركهم، كما يقول عضو اللجنة الطلابية جان قصير، بل سيجهدون في إشراك أكبر عدد ممكن من الطلاب في التحرك الأساسي في 20 حزيران. ويلفت إلى غياب إمكان تنظيم أي نشاط يصب في تحقيق هذا الهدف داخل حرم الجامعات لكون الأخيرة تشهد هذه الأيام امتحانات نهائية.
يجدر التذكير بأنّ اسم الحراك اتفق عليه خلال الاجتماع الأول في قصر الأونيسكو، حيث شاركت مروحة واسعة من الجمعيات والمنظمات التي دعت إلى انخراط شامل لجميع المعنيين بقضايا الناس. وبعد النقاشات المستفيضة بشأن شكل تحرّك 20 حزيران ومضمونه وأفكار أخرى طرحت لتحركات تسبق هذا التاريخ، تم الاتفاق على أن يكون عنوان التحرك: رُفعت الجلسة.





استرجعوا البرلمان

تشارك حملة «استرجعوا البرلمان» بفعالية في الحراك المدني للمحاسبة. ويشرح ممثل الحملة كلود جبر هدف حملته المتمثل بالسعي إلى التغيير من الداخل، أي ترشيح شباب علمانيين للمقاعد النيابية وفق القانوني الانتخابي المعتمد «حتى لو لم نكن موافقين عليه، مثل قانون الستين»، مشيراً إلى أنّه سبق للحملة أن رفعت عنواناً لمشروعها «الشعب منّو لعبة، وهذا يفرض علينا أن نلعب اللعبة من جوّا لأننا نرفض أن يلعب أحد بنا».
الحملة رشّحت فعلاً أشخاصاً للدورة الانتخابية الحالية، وقد فاز بعضهم بالتزكية مثل: ندين موسى والياس أبي صعب.
ليس الهدف بالنسبة إلى الحملة المقعد النيابي، كما يشرح جبر، بل إيصال رسالة بأننا «كمواطنين نرفض خرق الدستور عبر إطاحة حق الانتخاب كل 4 سنوات». ويقول: «لدينا خطة كاملة وخطة سياسية كاملة قوامها دولة مدنية وقانون انتخابي خارج القيد الطائفي». يذكر أن المجموعة خاضت الانتخابات الطلابية في الجامعة اللبنانية الأميركية.