نيويورك - عندما اتخذ الاتحاد الأوروبي قراره برفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية في ٢٧ أيار الماضي، لم يأخذ بالحسبان كل المضاعفات السلبية التي قد يتمخض عنها القرار. وعلى رأس المضاعفات الخطيرة تلك التي تصيب الصديق والحليف الرئيسي في المنطقة، إسرائيل.
فرنسا وبريطانيا، اللاعبان الأصغران على الساحة بعد تفاهم الكبار، تلعبان لعبة البوكر، وتخسران. فما لم يحسبه «الصغار» أنّه منذ عام، وروسيا تعدّ شريكاً كاملاً في موضوع الجولان في أروقة الأمم المتحدة. كانت الكلمة الفصل في التجديد لبعثة مراقبي الفصل (أندوف) للولايات المتحدة وحدها. لكن روسيا دعيت من قبل واشنطن للمشاركة من أجل منع اللاعبين الصغار من جرّ الكبار إلى حرب لا يرغبان فيها.
الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل تعلم أنّ سحب قوات «الأندوف» يعني فتح حرب إقليمية. ويتحدث الدبلوماسيون، أيضاً، في الأمم المتحدة عن أن ما يطرح في جلسات المشاورات المغلقة هو الخشية من استخدام حزب الله لجبهة الجولان كساحة قتال مفتوحة، من دون أن يخرق قرار مجلس الأمن 1701. هذه الخشية تتردد في كل المشاورات، وهي أكثر ما يقلق الجانب الأميركي. لذلك، تعتمد واشنطن على الجانب الروسي في معالجة الأمر، وتبدي ليونة حيال تعديل ولاية بعثة «الأندوف»، بما يتناسب والأوضاع الميدانية المستجدّة.
ولذلك تتباين المواقف بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية حول الموضوع، لكن هذا التباين يبقى في الإطار اللفظي، والكلمة النهائية تبقى للموقفين الأميركي ــ الروسي المشفوعين بالتفاهم بين وزيري خارجية الدولتين سيرغي لافروف وجون كيري حول جنيف والتسوية النهائية للأزمة السورية. لكن الوضع في الجولان نفسه لم يعد يحتمل الانتظار، والأزمة السورية حبلى بكل المفاجآت المحتملة. اليابانيون لم ينتظروا هذه المفاجآت، وسحبوا قواتهم من الجولان في بدايات الأزمة. الكرواتيون فرّوا في الظلام بعد كشف صفقات الأسلحة الكرواتية للمعارضة عبر الأردن. الفيليبينيون، الأضعف في هذه المعادلة، تعرضوا لثلاث عمليات احتجاز، وهم يتعرضون لضغوط من كل جانب لكي يبقوا قواتهم، بعد أن أوصى وزير الخارجية الفيليبيني بسحبها. النمسا قررت سحب قواتها بعد قرار الاتحاد الأوروبي رفع الحظر عن تسليح المعارضة، وبعد جرح العديد من أفراد القوة النمسوية عندما تعرضوا لإطلاق النار في 29 تشرين الثاني الماضي أثناء انتقالهم من مطار دمشق الدولي. وهي القوة الأكبر في بعثة «الأندوف». وسعت واشنطن والأمم المتحدة إلى تأخير الانسحاب إلى نهاية تموز المقبل بشتى الوسائل، لكن النمسويين رفضوا؛ لأن الاتحاد الأوروبي لم يأخذ هواجسهم على محمل الجد. وهنا تواجه الأمم المتحدة مأزق تدبير قوات أوروبية شمالية لتحل مكان النمسويين في الجولان. هي تمكنت من تدبير ١٧٠ مراقباً من فيجي، ينتظر قدومهم في نهاية تموز. لكن سفوح جبل الشيخ الشديدة البرودة تحتاج إلى قوات من الدول الباردة، تعرف كيف تتعاطى مع الثلوج والمنحدرات الشديدة الخطورة. وهذه مسألة لن تكون سهلة. وإذا كان النمسويون لا يرضون بالبقاء، فلماذا يأتي النرويجيون أو السويديون أو سواهم من شمال أوروبا؟ وما هي الضمانات أن المسلحين لن يستخدموهم دروعاً بشرياً كلما تعرضوا لضغط من القوات الحكومية السورية؟
تأخر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لمجلس الأمن عن موعده يومين ليصدر ظهر أمس، قبل أسبوعين من موعد التجديد للبعثة.
أعرب فيه بان عن قلق شديد حيال الوضع الأمني المتدهور في سوريا، وتأثيراته على السكان واحتمالاته على المحيط واستقرار المنطقة وأمنها، بما في ذلك منطقة عمليات بعثة «أندوف». وحذّر من أن العمليات المسلحة في منطقة الفصل تهدد بإشعال الجبهة بين سوريا وإسرائيل وبتعريض وقف النار للخطر.
وتوجّه الأمين العام في التقرير الذي أعدّه هيرفي لادسو، وكيله لشؤون عمليات حفظ السلام، إلى مجلس الأمن الدولي، داعياً إلى منح قوة «أندوف» القدرة على أداء مهماتها بحرية وأمان ضمن منطقة العمليات كأمر ضروري. وأكد أن العمل ماضٍ من أجل تحديد المزيد من القوات المساهمة للمشاركة في «أندوف» في ضوء انسحاب القوات النمسوية، ولضمان أن يجري الانسحاب بطريقة منظمة. وناشد الدول الأعضاء المساهمة في القوة.
وطلب من المجلس إعادة النظر في انتشار القوة وتموضعها بما يكفل استمرار بقائها. ومن ضمن الأمور التي طلبها، زيادة عديدها إلى ١٢٥٠ عنصراً، وتحسين معداتها الخاصة بالدفاع عن النفس. علماً بأنها لم تكن تملك حق الدفاع عن النفس.
وطلب استمرار عمل «أندوف» ضمن الظروف الحالية كضرورة، مؤكداً أنّ الحكومة الإسرائيلية موافقة على بقائها.
جاء هذا التقرير بعد سلسلة من الضربات التي تلقتها قوة المراقبين في الجولان؛ إذ ما زال هناك ضابط كندي مختطف، لم تجد الأطراف سبيلاً لإطلاق سراحه منذ أشهر. كذلك خسرت سيارات مدرعة سرقها المسلحون. لذا أوقفت البعثة دورياتها واكتفت بالمراقبة من مواقع ثابتة. وهي الصيغة التي قد تدوم في المستقبل بعد تعديل ولايتها كما ينتظر من توصيات الأمين العام. وهذا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي يفترض أن يطرح في جلسة ٢٦ حزيران الجاري.