الانغماس بالشأن المطلبي شَغَل هيئة التنسيق النقابية عن ملفات تربوية متفجّرة. عمل الأطفال هو أحد هذه الملفات الذي قررت الهيئة مقاربته في اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، لصلته الوثيقة بظاهرة التسرّب المدرسي.
هي المناسبة إذاً التي فرضت نفسها على متابعة القضية، فيما الرهان أن يبقى الملف موضع تحدٍ دائم. فالمؤشرات التي تصدر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء تعزز هذا التحدي. بين عامي 2007 و2008، سجلت نسبة التسرب في لبنان 2% في الأول أساسي، ثم تراجعت إلى 0.6% و1% في الصفين اللاحقين، لتعود وترتفع إلى 3.4% في صف الرابع و3.1% في الخامس و4.7% في السادس، كذلك نسبة التسرب في التعليم الثانوي تبلغ 7%. ويلحظ المركز أنّ النسب لم تسجل تغييرات ملحوظة من سنة 2001 ــ 2002، نظراً إلى صعوبة احتسابها بحسب القطاعات بسبب انتقال التلامذة من قطاع إلى آخر، أي بين التعليم العام والتعليم المهني خلال سنوات المرحلة الابتدائية.
وترتفع معدلات التسرب عند الذكور بالنسبة إلى معدلات الإناث، فهي على سبيل المثال تسجّل 2.4% في الصف الأول مقابل 1.5% للإناث. اللافت هو ارتفاع نسبة التسرب في محافظة الشمال عن المعدل العام في لبنان، إذ وصلت في الصف الرابع إلى 5.8% وفي الصف السادس إلى 4.7%. وفي عام 2009، أظهر تقرير إدارة الإحصاء المركزي عن التعليم عدم وجود تسرب في المرحلة الابتدائية، بدليل أنّ نسبة الأطفال الذين يصلون إلى الصف الخامس ابتدائي بلغت 99.8%، فيما بلغت نسبة التأخر المدرسي 5.9%.
لكن هذا لا يحجب رقماً مخيفاً لتفشي عمل الأطفال في لبنان، إذ تشير بعض التقديرات إلى وجود 45 ألف طفل عامل في بلد عدد سكانه قرابة أربعة ملايين نسمة. الاستقطاب الى النزاعات المسلحة هو أحد أسوأ أشكال عمل الأطفال بحسب تعريف منظمة العمل الدولية.
هنا تشرح مسؤولة الشؤون التربوية في رابطة التعليم الثانوي الرسمي بهية البعلبكي لـ«الأخبار» كيف أن التلميذ يُستدرج الى الاستغلال، إذ إن العمل أو حمل السلاح يشعره بأنه مهم أكثر مما يشعر به في المدرسة. لذا تشدد بعلبكي على ضرورة رصد التسرب حيث يمكن أن يحصل ومعالجته قبل حصوله. كيف؟ تلفت إلى تصويب العمل باتجاه جذب التلامذة إلى المدرسة وإبقائهم فيها بعيداً عن الشارع باستخدام الأساليب التعليمية الناشطة غير التقليدية لربط التعليم بالحياة. وتطالب البعلبكي بإدراج قضية عمل الأطفال وكيفية مكافحتها ضمن المناهج التربوية في مواد التربية المدنية واللغات. قضية عمل الأطفال اللبنانيين مرشحة للتفاقم، تقول البعلبكي وإن كانت تعتقد شخصياً بأنّ هناك استغلالاً أوسع للنازحين السوريين لعدم توافر المدارس والمناهج الملائمة لهم.
إلا أنّ المفصل الأساسي في قضيتي التسرب وعمل الأطفال يبقى عدم صدور المراسيم التطبيقية لقانون إلزامية التعليم ومجانيته الرقم 686 بتاريخ 16/3/1998 وتعديلاته عام 2011 حتى عمر الـ 15 سنة. في القانون مساءلة للأهل الذين لا يرسلون أبناءهم إلى المدرسة، لكن المفارقة أنّه ليس هناك حتى اليوم قرار بإلغاء الرسوم الدراسية في مرحلة التعليم الأساسي في المدارس الرسمية، فالأمر خاضع لتعميم سنوي يصدر في هذا الشأن على الطريقة اللبنانية فيعفي التلامذة من الرسوم، على أنّ القاعدة تكون بالحصول على مكرمة من هنا ومساعدة من هناك. ويوضح مسؤول الدراسات في رابطة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي كيف يصطدم ذلك بعدم توفير مستحقات صناديق المدارس لتأمين اللوازم والاحتياجات، وعدم زيادة موازنة وزارة التربية وحجز مقعد لكل تلميذ والالتزام بتنفيذ الاتفاقيات الدولية، ومنها منع عمل الأطفال دون عمر الـ 16 سنة.
ومن أسباب تفشي الظاهرتين، برأي برجي، عدم تعميم مرحلة الروضات في المدارس الرسمية ودعمها بالموارد المائية والبشرية وتعزيز قسم التربية الحضانية في كلية التربية.
هل ستدرج القضية على جدول أعمال الروابط في المرحلة المقبلة؟ هيئة التنسيق النقابية انخرطت بروابطها في التعليم الرسمي ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة في ورشة منظمة العمل الدولية لتوصي بالمسؤولية المشتركة للدولة اللبنانية ولوزارات العمل والتربية والشؤون الاجتماعية والصحة العامة من أجل تأمين الظروف الفضلى لرعاية الأطفال. هي على الأقل تجزم بأنها ستضع مكافحة عمل الأطفال ضمن أولويات عملها النقابي. وتقر بأنّها ستلتزم بتوصيات الورشة لجهة إطلاق حملة إعلامية متواصلة لتعزيز مستوى الوعي بالظاهرة لدى المعلمين والأهل والتلامذة. وقد أعلنت تأليف لجنة متابعة وتوسيعها بإشراك أطراف أخرى، مجددة المطالبة بإشراكها في صنع القرار التربوي، ولا سيما في لجان ومشاريع المركز التربوي.