مليون لاجئ سوري (في الحدّ الأدنى)؛ اضطرابات إقليمية مستمرّة؛ سياسة محلية غير مستقرّة؛ أزمة اقتصادية ومالية لدى الشركاء التجاريين... عوامل كثيرة تؤثّر في وضعية لبنان الاقتصادية، وفقاً لآخر تقديرات البنك الدولي التي يتضمنها تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي.
خلال العام الجاري سيتحسن نمو الاقتصاد إلى 2%، على أن يرتفع بنحو طفيف إلى 2.3% العام المقبل. غير أنّ اللافت هو أنّ الأداء سيقفز دفعة واحدة إلى 4% في عام 2015؛ وهذا يعني، تلقائياً، أنّ العوامل التي تكبح الاقتصاد حالياً، وأساسها الأزمة السورية، قد تبدأ بالانحسار في ذلك العام.
تأتي هذه التقديرات بعدما كان النموّ في لبنان قد بقي ثابتاً في عام 2012 عند 1.5% «حيث تأثّر بتصاعد الاضطرابات السياسية المحلية وانعكاسات الأزمة السورية على قطاع السياحة، كما تعرّضت الموارد العامّة، النادرة أساساً، من ارتفاع عدد اللاجئين» السوريين. ويُقدّر خبراء البنك، في لحظة إعداد التقرير، أنّ عدد هؤلاء اللاجئين يفوق مليون لاجئ، فيما يبلغ عدد السكان الإجمالي للبنان 4.3 ملايين نسمة.
في المقابل، «ارتفع الإنفاق الاستهلاكي في لبنان _ كما هي الحال عليه في الأردن _ نتيجة الطلب الإضافي المرتبط بارتفاع وتيرة اللجوء السوري». بيد أنّ هذا الإنفاق أدّى في الوقت نفسه إلى زيادة الضغوط التضخمية _ أي موجة ارتفاع الأسعار _ التي بدأت تتصاعد في عام 2012. فبحسب التقرير «ارتفع معدّل التضخم في لبنان فوق 10% في لبنان خلال الأشهر القليلة الأولى من عام 2013»، مقارنة بمعدل قريب من 7% في مصر، تونس والأردن.
بالفعل لا يُمكن فصل لبنان أبداً عن محيطه العربي والمتوسطي. إقليمياً، تتوقف الآفاق المستقبلية بشدة على ما يطرأ من تغيرات في مستوى التوترات السياسية المحلية والعابرة للحدود، يقول معدّو التقرير. تشير تقديراتهم إلى أن إجمالي النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتراجع إلى 2.5% في عام 2013، «ويعود ذلك تحديداً إلى ضعف أكبر ثلاثة اقتصادات في المنطقة، على أن تعود المنطقة إلى التعافي بمعدّل نموّ يبلغ 3.5% في عام 2015، مع انحسار التوترات وتعافي منطقة اليورو التي تُعدّ الشريك التجاري الرئيسي للمنطقة».
المخاطر الأساسية التي تواجه المنطقة هي محلية الطابع. «الأزمات السياسية والصراعات التي طال أمدها تُشكِّل مخاطر على التعافي في الأجل القريب وعلى معدلات النمو المحتمل في الأجل الطويل. فهي تؤدّي إلى تراجع الاستثمارات وزيادة احتمالات تأجيل الإصلاحات الهيكلية الملحة». وبرأي خبراء البنك، فإنّ مستوى التوتر يزيد بفعل «زيادة حدة الصراعات الطائفية في العراق وسوريا» وقرب إجراء الانتخابات في عدة بلدان في أنحاء المنطقة.
عموماً «لا تزال التحديات الهيكلية على الأجل الطويل التي تواجهها المنطقة _ وهي مصدر للتقلبات الراهنة _ كما كانت قبل ثورات الربيع العربي». وبحسب محللي البنك، فإنّ «الافتقار إلى بناء التوافق السياسي اللازم لمعالجة هذه الاختلالات الهيكلية ينبئ بأنها ستؤدي على الأرجح إلى انخفاض معدلات النمو حينما يعود الهدوء إلى المنطقة».
وبالانتقال إلى المؤشرات المختلفة، توضح بيانات البنك الدولي أنّ عدد السياح إلى بلدان الشرق الأوسط تقلّص مجدداً في عام 2012، ولكن بنسبة 4.9% فقط، وهي أدنى من معدل التراجع في العام السابق، وبلغ عددهم 52.6 مليون سائح. ويفيد التحليل هنا بأنّ المغرب وإيران مثلاً استفادا من غياب الاستقرار في البلدان المجاورة، وجذبا سياحاً من بلدان مجلس التعاون الخليجي ومن وسط وجنوب آسيا، «عوضاً عن التوجّه إلى الوجهات السياحية الجاذبة مثل مصر ولبنان».
من جهة أخرى، يُشير خبراء البنك إلى أنّه فيما نمت التحويلات في بلدان أخرى مثل تونس والأردن، بنسبة 10% و6% على التوالي، بقيت ثابتة في لبنان عند 7.4 مليارات دولار.
ولكن رغم بقاء التحويلات عالية يرتفع عجز الحساب الجاري الذي يعكس حاصل التبادل مع الخارج على نحو مقلق ليعادل 14.7% من الناتج، وهو ثالث أسوأ عجز متوقّع تسجيله في المنطقة بعد ليبيا والأردن.
ولعلّ ما يشفع للبنان في هذه المعادلة هو المستوى المرتفع لاحتياطي العملات الأجنبية، إذ منذ بداية عام 2011، أي في خضمّ انطلاق شرارة الاضطرابات العربية، هوت تلك الاحتياطات «على نحو حاد في بعض البلدان المستوردة للنفط في المنطقة»، فيما سجّلت نمواً في لبنان.
ويُشير التقرير إلى أنّ المالية العامّة في بلدان المنطقة غير النفطية تستمرّ في تلقّي الضربات. «في لبنان ومصر تؤدّي ضغوط زيادة الإنفاق العام إلى رفع كلفة الاستدانة وإلى تضخّم كلفة الفوائد إلى 40% و25% من الإنفاق الإجمالي على التوالي». وإزاء هذا الوضع «يخطّط لبنان لخفض النفقات العامّة بمعدّل 3% من الناتج المحليّ الإجمالي خلال عام 2013».
ويسجّل لبنان والمنطقة هذا الأداء فيما يبدأ الاقتصاد العالمي الانتقال إلى مرحلة يُرجّح أن تكون أكثر سلاسة وأقلّ تقلّباً، بمعدل نمو يبلغ 2.4%، «غير أن هذا التعافي يتفاوت من بلد إلى آخر».