حتى اليوم لم يتغير شيء في المشهد الزراعي البقاعي. المشاكل هي نفسها، لا بل زادها استمرار الأزمة السورية. لم تظهر بعد أيّ ملامح للزراعات البديلة عن زراعة الممنوعات، التي وعدت الدولة بتوفيرها، وآخرها العام الماضي بعد انتفاضة اليمونة وزيارة وزير الداخلية والبلديات مروان شربل للبلدة، وتشكيل لجنة وزارية لتوفير تلك البدائل. لكن كل تلك الخطوات وما نجم عنها من وعود بقي «مجرد سراب».
اليوم، يتّضح كما في المواسم الماضية، وعلى الرغم من السخونة الأمنية التي تشهدها منطقة بعلبك ــ الهرمل، أنّ القوى الأمنية شرعت بتحضيراتها للبدء بعملية إتلاف الحقول المزروعة بالقنب الهندي في البقاع. فقد علمت «الأخبار» أن تعميماً صدر منذ أيام إلى كافة المراكز الأمنية بضرورة «فصل عناصر من تلك المراكز، بدءاً من 19 حزيران الجاري» بهدف مؤازرة مكتب مكافحة المخدرات المركزي في عملية إتلاف حقول حشيشة الكيف في البقاع.
وبالفعل باشرت سائر القطعات الأمنية المعنية تجهيز جداول فصل عناصر للمشاركة في قوة الإتلاف، غير أنّ مصدراً أمنياً أوضح لـ«الأخبار» أن التعميم وفصل العناصر لا يعني الشروع في عملية الإتلاف في 19 الجاري، وأن ذلك يأتي ضمن التحضيرات والاستعدادات اللوجستية التي تتطلبها عملية الإتلاف من جرارات زراعية وجرافات وعمّال وحتى طلب مؤازرة من الجيش. المصدر الأمني تحفّظ عن ذكر المساحة المزروعة بالقنب الهندي في بعلبك ــ الهرمل، إلّا أنه شدّد من جهة ثانية على «حرص القوى الأمنية على إتلاف حقول الحشيشة لهذا العام»، وعلى أن «عمليات الرصد والكشف لا تزال متواصلة بغية معرفة كامل المساحات المزروعة بالقنب الهندي».
انطلاقاً من هذا الوضع، وإذا كانت القوى الأمنية قد باشرت استعداداتها وتحضيراتها لعملية الإتلاف، تداعى مزارعو الحشيشة في المنطقة، بعدما وصلتهم أصداء التعميم الأمني والتحضيرات، إلى اجتماع بحثوا فيه «آلية الدفاع عن الأرزاق». وشدّدوا على «حقهم في زراعة الحشيشة طالما أنّ الدولة تناست كالعادة مزارعيها والتعويضات التي وعدتهم بها، فضلاً عن الزراعات البديلة التي مرّ أكثر من عقدين على استهلاكها كعبارة فقط»!
علي شمص، وهو أحد مزارعي الحشيشة، دعا القوى الأمنية إلى عدم «الاحتكاك بالمزارعين، وألا يقترب عناصرها من أرزاقنا وأرزاق أولادنا وعائلاتنا، فقد طفح الكيل» يقول باستياء عارم. ويُضيف أنّ مزارعي البقاع «اكتفوا من الوعود الكاذبة، وأن إتلاف حقول الحشيشة بمثابة اعتداء على كل فرد بقاعي» مشيراً إلى انّه «ليس لدينا مشكلة أين تصل الأمور، وحتى لو وصلت للدم».
لم يكتف شمص عند هذا الحد، فقد حذر القوى الأمنية «من مفاجآت من العيار الثقيل في حال أصروا على إتلاف الحشيشة». ولفت إلى أنّ المزارعين سيعمدون إلى تغيير في الخطط التي ستعتمد لردع القوى الأمنية المكلفة عملية الإتلاف؛ «وهي خطط ستتسبب في أذى كبير». برأي المزارعين فإنّ المسؤولية في وضع كهذا يتحمّلها الضباط الذين يصرّون على إتلاف مواسم الحشيش. وتحذيراتهم لا تقتصر هذه المرّة على القوّة الأمنية المفرزة لعملية الإتلاف، بل تشمل أيضاً أصحاب الجرارات الزراعية والعمال. فبحسب مزارع الحشيش «أبو علي» اليوم «تحذيرنا الأساسي هو لأصحاب الجرارات الزراعية والعمّال سواء كانوا لبنانيين أو سوريين أو تركمانيين».
وتجدر الإشارة إلى أن المزارعين يتحدّثون هذا العام عن مساحات مزروعة بالقنب الهندي في البقاع تفوق مساحتها أضعاف تلك التي زرعت العام الماضي. فهم يعدّون استمرار غياب الزراعات البديلة تقصيراً من الدولة وإذناً غير مباشر لزراعة الحشيش. يوضحون أنّ المزارع الذي كان يزرع سابقاً بين 20 و30 دونماً من الحشيش، عمد هذا العام إلى زراعة بين 200 و400 دونم. وهناك من تخطّى هذا الحدّ حتّى!
ويراوح سعر «هقّة» الحشيش (1200 غرام) بين 700 دولار و800 دولار حالياً، فيما تشهد السوق «فترة ركود بسبب الأوضاع السورية» بحسب أحد التجّار. غير أنّه يؤكّد في الوقت نفسه أنّ الطلب «سيزداد خلال الفترة المقبلة وباتجاه سوريا أيضاً».