تساءل العديد من المغتربين أخيراً عما إذا كان خيار زيارة لبنان هذا الصيف ضرباً غير مسؤول، أو لنقل يحمل مخاطر عالية. ولكن يبدو أنّهم قرّروا في نهاية المطاف القدوم. وهو وضع تستغلّه شركات الطيران للحفاظ على معدلات عالية لأسعار التذاكر أو حتّى رفعها نسبياً.
لطالما عانى المغتربون من ارتفاع كلفة قدومهم إلى لبنان بسبب تغييب الخطوط الجوية منخفضة التكلفة (Low Cost Flights). ولكن حتّى في هذه الأجواء العاصفة التي يمرّ بها لبنان والمنطقة، تبقى أسعار الرحلات المجدولة عالية.
فلنأخذ على سبيل المثال الخيارات المتاحة للمقيمين في بلجيكا والراغبين بزيارة لبنان. الحدّ الأدنى المتاح بينها ــ لرحلة ذهاب وإياب بين بروكسل وبيروت بين تموز وآب المقبلين ــ يبلغ 611 يورو، أي فوق 815 دولاراً بأسعار الصرف الحالية.
تُشير أوساط المغتربين في هذا البلد إلى أنّ الأسعار هذا العام هي أعلى بكثير مما كانت عليه العام الماضي، وهي مكلفة جداً لعائلة تنوي القدوم وتمضية شهر صيفي في بلدها الأم. ومستويات الأسعار العالية هذه تُرصد ايضاً في باقي البلدان الأوروبية مثل فرنسا وإنكلترا.
الغريب هو أنّ واقع تردّي الأوضاع الأمنية في لبنان وتأثّر هذا البلد بالحرب الدائرة في سوريا، يُفترض أن ينعكس مباشرة على حركة الحجوزات إليه. ولكن يبدو أنّ طلب المغتربين يعوّض إلى حدود كبيرة طلب السياح التقليديين.
وفقاً لنقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود فإنّ القادمين إلى لبنان هم المغتربون والطلاب الذين يدرسون في الخارج؛ وطلبهم يبدو كبيراً فعلاً. «معظم الرحلات المجدولة في الأوقات العاديّة تسجّل نسبة إشغال قصوى».
صحيح أنّ تلك الحجوزات المؤكّدة (Confirmed Bookings) لا تزال غير محقّقة ــ أي أن التذاكر لم تُسحب بعد ــ إلا أنّ مؤشّر الطلب هذا يبدو مثيراً للاهتمام، لدى المقارنة مع أجواء التشنج السائدة محلياً وإقليمياً.
ولعلّ أبرز مثال على كيفية تأثّر السياحة بالاضطرابات الأمنية والسياسية، ما يحدث في تركيا حالياً. «نتيجة الأوضاع التي تمر بها تركيا حالياً يعمد كثيرون إلى تغيير مسارهم في غالب الأحيان إلى اليونان» يشرح جان عبود.
ومؤشّر تركيا مهمّ جداً، فهذه الوجهة كانت تستأثر بين 35% و40% من الرحلات السياحية من لبنان خلال السنوات الماضية، بعدما جرى التخلّص من إجراءات تأشيرات الدخول في إطار لحظة إقليمية استغلتها بلاد أتاتورك لجذب سياح المنطقة.
فعلى الرغم من أنّ مكاتب السفر في لبنان عمدت أخيراً إلى جدولة رحلات مباشرة إلى الوجهات السياحية المرغوبة ــ بهدف استثناء استنبول التي تشهد اضطرابات امتدّت إلى مدن أخرى منذ نهاية أيار الماضي بسبب سياسية الرئيس رجب طيب إردوغان ــ إلا أنّ الحجوزات تُفضّل في نهاية المطاف البحث عن الاستقرار في السياح؛ إما إلغاء الحجز كلياً أو تحويله إلى وجهة أخرى.
ولكن بخلاف المنطق، تبقى تذكرة القدوم إلى لبنان غالية. وهي النتيجة الحتمية لتعويض مجيء السياح بزيارات المغتربين مع تغييب خيارات الطيران الرخيص لمغتربي هذا البلد ومهاجريه.