ثروة لبنان النفطية في بحره لا تزال تفاجئ الكثيرين. هناك، وعلى مساحة تساوي ضعف رقعة البلاد البرية، من المفترض أن يبدأ التنقيب مطلع عام 2016. ولكن على الأرجح سيحمل العامان المقبلان مفاجأة أكبر، إذ إن التنقيب براً قد يسبق الحفر في المتوسط.
«صحيح أنّ لبنان لم يصل بعد إلى مرحلة يجزم فيها بوجود النفط براً، غير أنّ التصوّرات حالياً يمكن أن تتحوّل إلى وقائع علمية في نهاية عام 2013». هكذا حاول وزير الطاقة والمياه جبران باسيل بثّ روح التفاؤل المتحفّظ خلال إطلاق المسح البرّي «الثنائي الأبعاد _ المتعدّد الزبائن» عن النفط والغاز في البر اللبناني في منطقة البترون، بالتعاون مع شركة «Spectrum»، يوم السبت الماضي.
يؤكّد جبران باسيل لـ«الأخبار» أنّ «لبنان يحصد اليوم ثمار الجهود الجيولوجية الحثيثة التي بذلت لفترة عام كامل، قدمت خلاله بعثات مختصّة من الخارج، وبنتيجتها صيغت صورة أوّلية عن تركيبة الصخور والترسبات النفطية عليها».
يُشدّد على أنّ قبول الشركة البريطانيّة بتنفيذ المسوحات البريّة مجاناً يقوم على «تصوّر علمي بأنّ هناك إمكانات حقيقية ستدرّ الإيرادات في المستقبل؛ فهذه الشركة ستتكبّد ملايين الدولارات معوّلة على الدراسات الدقيقة التي أُعدّت حتّى الآن».
«حتّى الآن لا يُمكن الجزم إلى درجة اليقين بوجود نفط – بكميات اقتصادية – ولكن ستتضح الصورة في أيلول المقبل» يُضيف الوزير.
وتعمل الشركة البريطانية مع الوزارة بموجب عقد وُقّع بداية العام الجاري. وسُتنفّذ الأعمال فيه شركة «GSC» إضافة إلى ثلاث شركات أخرى مختصة في الجيولوجيا، الجودة والتراخيص. وترتكز إمكانات استخراج النفط والغاز في البرّ اللبناني على نتائج الآبار السبع التي حفرت منذ 50 عاماً، إضافة إلى الدراسات الجيولوجية والمقارنة بالحقول النفطية في الدول المجاورة، وفقاً للخبير الجيولوجي في المعهد الفرنسي للبترول والطاقة، فادي نادر.
والسبب وراء بدء المسح في منطقة البترون هو وجود بئر في بلدة عبرين «حيث تم ربط هذه الخطوط والآبار السبع بعضها ببعض» يشرح الوزير.
اللافت هو أنّ تلك الآبار، التي يفوق عمق إحداها 3 آلاف متر، لم تحتفظ عنها الدولة اللبنانية بأي مستند أو حتّى ورقة! وهنا يتساءل جبران باسيل: «كيف لا يكون هناك من معلومات جيولوجية واحدة، مع العلم بأنّ وفداً من شركة «Chevron» أحضر معه ملفاً عن أحد الآبار خلال زيارة للبنان؟»
وبحسب المدير التنفيذي لشركة «GSC»، محمد يوسف، سيُستحصل على البيانات الزلزالية الثنائية الأبعاد على طول 500 كيلومتر، ثم تُستحدث خرائط ثنائية الأبعاد لتكاوين الصخور الموجودة في باطن الأرض ليحللها خبراء جيولوجيون.
ويمرّ خطّ البترون – اللبوة في 26 بلدة، ضمنها 20 بلدة في قطاع البترون. «العمل هناك سيتركّز على الطريق العام، إلا في حال الضرورة القصوى» بحسب وكيل «Spectrum» جورج قمر.
«لقد أمّن انطلاق الجهود لبدء التنقيب بحراً دفعاً حقيقياً لعملية التنقيب في البرّ؛ في المرحلة السابقة كان الاعتقاد السائد أنّ برّنا لا يحوي شيئاً»، يشرح جبران باسيل. وفي نهاية أيار 2013 انتهت دورة التأهيل الأولى للشركات المهتمّة بالتنقيب في المياه الإقليمية التابعة للبنان _ أي المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها 22 ألف كيلومتر مربّع. وبعد تأهّل 46 شركة _ بينها كيانات صناعية عملاقة مثل «Chevron» و«Statoil» و«Total» و«ExxonMobil» _ يجري اليوم درس الشروط اللبنانية ونموذج العقد الذي تمّ إعداده لبدء تجهيز العروض؛ وبحلول الخريف المقبل، يُفترض أن تُشكّل الشركات عدداً من الكونسورتيوم _ كلّ واحد يضمّ ثلاث شركات في الحدّ الأدنى _ تُقدّم تلك العروض تمهيداً لتوقيع مرتقب لأوّل عقد مع بداية ربيع عام 2014.
ويقوم المسح براً على مفهوم تعدّد الزبائن لا يُكبّد الدولة أكلافاً، حيث إنّ الشركة التي تنفذه هي التي تستثمر. وبعدها «تستفيد الدولة من حصة نتيجة بيع المعلومات» بحسب الوزير.
ورغم أنّ لبنان يتمتع بقانون نافذ للتنقيب عن النفط براً، غير أنّه لم يعد صالحاً لكونه صيغ عام 1933 وتمّ تعديله في عام 1974. وبالتالي يجب العمل عليه لجعله أكثر حداثة.
وبصدور المؤشرات الأولى عن القطاع في نهاية صيف 2013، يكون لبنان على سكة إنجاز القانون الجديد والتشريعات المرافقة. والجهد هنا يجب أن يكون سريعاً، لأنّ «التنقيب براً هو أسرع بكثير من البحر، وفي حال كانت المؤشرات إيجابية يُمكن أن يسبقه» يوضح باسيل.
وفيما تُرصد حالياً إشارات واضحة عن وجود النفط بحراً _ بدليل البقع النفطية التي تُرصد عائمة على وجه المياه _ «نعلم أنّ وراء السلسلة الشرقية هناك أعمال تنقيب في سوريا... فمن غير الممكن ألّا يكون لدينا في لبنان هذه الاحتمالات قائمة».
وقبل اندلاع الحرب في سوريا كان يصل إنتاج النفط يومياً إلى حدود 360 ألف برميل يومياً.