مؤتمر «أصدقاء سوريا» في الدوحة كان مخيباً لآمال المعارضة السورية، ولمعظم المشاركين فيه. أكد المؤتمر أن ليس في جعبة «الأصدقاء» استراتيجيا بديلة، من شأنها أن تحلّ مكان الاستراتيجيا المتبعة حتى الآن، التي ثبت فشلها في إسقاط النظام السوري. كل التصريحات والمواقف التي قيلت في المؤتمر وخلاله وفي أعقابه، ومن بينها «القرارات السرية»، لا تغير في النتيجة.
أسباب الفشل الذي أقرّ به المؤتمرون، وإن بصورة غير مباشرة، مرده فشل واضعي الاستراتيجيات في فهم الواقع السوري، وتواضع القدرة لدى المنفذين، وصمود الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لم يكن متوقعاً ابتداءً.
مؤتمر الدوحة، كما هي حال ردود الفعل الإقليمية والدولية على انطلاقة انتصار النظام في سوريا، وأكثرها مواقف وتصريحات ووعود وتهديدات، لا يمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على ما يجري في الميدان، ما لم تتحول إلى أفعال، وهو ما لا يبدو حاصلاً، وإن حصل فبتواضع شديد، لا يفضي إلى تغيير دراماتيكي.
مع ذلك، لا تعني التغييرات والانتصارات الميدانية التي حققها الجيش السوري، بأنه بات قادراً على الحسم العسكري قريباً، رغم أن الحسم وضع فعلياً على سكة التنفيذ، كذلك فإن المعارضة المسلحة ومَن وراءها، ما زالوا متسمرين في مواقفهم السابقة، رفضاً للحلول التسووية، رغم إدراكهم أن المتغيرات الميدانية قد تجاوزت بالفعل مواقفهم.
الواضح أن الوضع الميداني في سوريا، وضرورة تغييره، كان الحاضر الوحيد في طاولة المؤتمرين في الدوحة. الدول العربية، كما يتضح، خيرت المجتمعين بين أمرين اثنين: إما الدفع باتجاه تغيير الوضع القائم، عبر التدخل العسكري المباشر، أو تزويد المعارضة بوسائل قتالية فاعلة تقلب ميزان القوى، أو الاكتفاء بانتظار إعلان النظام انتصاره، مع ما في ذلك من تداعيات سلبية استراتيجية، تتجاوز سوريا باتجاه المنطقة وما ورائها. مع ذلك، لم يُفضِ المؤتمر إلى قرار بالتدخل العسكري، ولم يُفضِ إلى تسليح فاعل للمعارضة، أقله كما تريدها المعارضة وعدد من الدول العربية، رغم كل ما قيل في هذا المجال.
كذلك الواضح أن الموقف الأميركي، وهو الأهم والأكثر دلالة في المحور المعادي للنظام في سوريا، يتجه في المرحلة الحالية والمقبلة، إلى محاولة التموضع دفاعياً، عبر تأمين السبل الكفيلة بلجم انتصارات الأسد، والحد من توقعاته، تمكيناً للتسوية السياسية من الانطلاق، بعد أن تعذرت أخيراً.
وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أكد من جديد أن الاستراتيجية المتبعة حتى الآن، تلتزم الامتناع عن التدخل المباشر في سوريا، ولم تطرأ عليها تغييرات تذكر. كان لافتاً جداً تأكيده أن المساعدة المرتقبة للمسلحين تهدف فقط إلى وضع حد لانعدام التوازن على الأرض مع النظام.
إلا أن السؤال هو عن السبل الكفيلة بتحقيق ذلك، رغم أنّ من الصعب تحقيق ذلك، بلا تدخل عسكري، ولا تسليح فاعل.
في كل الأحوال، توجد ثلاث ملاحظات في سياق مؤتمر الدوحة:
أولاً: حاول المؤتمرون تصوير الوضع الميداني وتراجع المعارضة، وكأنها حالة متأتية فقط عن فقدان السلاح، النوعي أو غير النوعي، وهي محاولة تحرف الواقع عن موضعه. مجريات المعركة الأخيرة في مدينة القصير، ومخلفات المسلحين فيها، تؤكد أن المدينة كانت تحوي مخازن مختلفة ومتنوعة من السلاح، يكفي المسلحين للقتال شهرين أو ثلاثة أشهر، مع حصار محكم. هذا في مدينة القصير، فكيف بالمناطق الأخرى المفتوحة على حدود دول معادية للنظام في سوريا. الحديث عن فقدان السلاح لدى المسلحين ليس إلا محاولة لحرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية لدى المحور المعادي لسوريا، وهو وجود انهيار ميداني ومعنوي ونفسي في أوساط المسلحين، ولا يمكن السلاح أو غيره أن يعالجها.
ثانياً: الحديث عن «القرارات السرية»، هو حديث يحاول إضفاء بعد حقيقي لقرارات غير موجودة وغير مقدور عليها. التفوه بعبارة «القرارات السرية» هو إقرار غير مباشر بفقدان القدرة على إنتاج قرارات فعلية، تحول دون تردي أوضاع المسحلين ميدانياً، علماً بأن كل ما يمكن فعله، من قبل العرب والغرب، وما دون التدخل العسكري المباشر، قد حصل بالفعل خلال العامين الماضيين.
ثالثاً: برز في مؤتمر الدوحة، وهو الأهم، طرحان غير متوافقين بالمطلق. يقف وراء الأول دول خليجية، وفي مقدمتها قطر، وتتمسك حتى الآن، رغم كل التغييرات الميدانية في سوريا، بإسقاط النظام وتسليم السلطة للمعارضة. أما الطرح الثاني، فتقف خلفه الولايات المتحدة وأتباعها من الغرب، التي ترى في المؤتمر، على مستوى الخلفيات والأهداف، فضلاً عن القرارات، محطة تهدف إلى إحداث تحول في موازين القوى الميدانية، تأمل أن تسمح لها بالذهاب إلى تسوية سياسية، لا أكثر ولا
أقل.
أما سقوط الأسد والاستراتيجيا القديمة المفعلة ضده، فخرجت فعلياً من الخطاب الأميركي، رغم أن ترددات منها، ما زالت قائمة.
على أي حال، الجهد الغربي والأميركي والعربي الخليجي، سينصبّ حالياً على منع سقوط مدينة حلب وريفها؛ إذ يخشى هذا المحور تداعيات سقوط المدنية وتأثيره الفاعل على مجمل المعركة الدائرة في سوريا، وعلى نتائجها النهائية. مرحلة ما بعد حلب قد تنهي الرهانات على أي مستجد من شأنه أن يعدل من التوازنات وقوة الموقف السياسي على طاولة المفاوضات، هذا إن كان ثمة داع للمفاوضات في حينه.