في الطبقة الرابعة من مركز سرطان الأطفال في الجامعة الأميركية (السان جود)، يجلس عشرة تلامذة في بيتهم وبين أهلهم. الجميع هنا مصمّم على النجاح في «البروفيه» رغم الوجع. يروّضون المرض. تساعدهم المناخات الصحية والنفسية الملائمة في المكان على اجتياز استحقاقهم «بجدارة»، كما يتمنون. يصرون على الامتحان للتأكيد أنّنا «نستحق الشهادة الرسمية».
بصعوبة ملموسة، يجرون امتحاناتهم. فمنهم مَن يحضر باكراً لتلقي العلاج الكيميائي قبيل دخول القاعة. ومِن بين التلامذة من يتعب فجأةً أو يقع في غيبوبة فيسعفه الفريق الطبي ليستأنف مسابقته. وفي أثناء الامتحان قد يحتاج أحدهم إلى إجراء فحوصات دم أو تركيب مصل. رغم كل شيء، يحدوهم الأمل بتجاوز التحديات، وخصوصاً أنّ جزءاً لا بأس به يضطر خلال فترة العلاج للتغيّب عن الصفوف.
خشيت دعاء أن تكون الأسئلة أكثر تعقيداً، لكن استعدادها الوافي كان كافياً لإنجاز كل المسابقات «ما إجانا شي مش دارسينو وأكيد رح إضمن نجاحي».
محمد، التلميذ السوري الذي يخضع للعلاج في المركز منذ هروب أسرته من الحرب في بلادها، اضطر لدراسة المنهج اللبناني وتقديم امتحاناته هنا.
لا تفارق الابتسامة ثغر محمود الذي بدا هو الآخر واثقاً من معلوماته ونجاحه. الصغير يتحدث عن إحباط أصابه في اليوم الأول لكون التجربة جديدة «بس هون بالمركز حسينا إنو ببيتنا وبين أهلنا وساعدونا كي لا نخاف».
تفاؤل الأطفال لا ينفي مطلب المتطوعين التربويين باستحداث برامج دراسية خاصة وإعداد امتحانات قصيرة تناسب الطاقات الاستيعابية للمرضى. المشرف التعليمي في المركز حسان الداعوق اكتشف منذ اللحظة الأولى لتسلمه المهمة أنّ الطلاب الذين يخضعون لفترات طويلة من العلاج غير قادرين على متابعة المناهج الرسمية، ويحتاجون إلى تكييف الامتحانات بما يتناسب مع وضعهم النفسي ومناعتهم الضعيفة. لم يطرأ أي تعديل حتى الآن على المناهج والامتحانات، فالتلامذة المرضى يعالجون الأسئلة نفسها التي يخضع لها أقرانهم في مراكز التقديم العادية، على الرغم من أنّ الاستحقاق يشملهم منذ العام 2001. برأي الداعوق، «الترقيع» لا الحلول الجذرية هو الذي يحكم السياسات التربوية. وبما أنّ المنهج اللبناني «منفوخ»، على حد تعبيره، يحصل تلامذة المركز على برنامج مكثف يتلقون خلاله الخلاصات والمحاور الضرورية التي تفيدهم في الامتحانات. حتى الآن، لم يحصل المركز على التبني الرسمي لمناهج خاصة اقترحها المركز لمرضى السرطان. يخشى الداعوق أن يبقى مستقبل الأطفال بين أيدي متطوعين بدلاً من رعاية الدولة.
التعليم هو جزء من قسم «حياة الطفل» في مركز «السان جود». تقول المسؤولة رحاب صيداني إننا «نرافق المريض حتى الرمق الأخير من حياته. نجعل الأولاد يحبون الحياة بالإصرار على عدم حرمانهم من حقوقهم الأساسية لا سيما التعليم واللعب». لا تزال عينا صيداني تدمع كلما رأت صورة أحد المتخرجين المتعطشين للدراسة «الطفل أنجز امتحاناته الرسمية، نجح وغادرنا بعد شهرين». يعزيها أنّ 80 % من الأطفال المصابين بالسرطان يشفون ويتابعون دراستهم في المدارس والجامعات ويواصلون حياتهم بصورة طبيعية.
في مكان آخر وتحديداً في الطبقة السابعة لمركز عبد الله العلايلي المخصص لامتحانات ذوي الاحتياجات الخاصة، ثمة متميّزون كما يرغب المرافقون الأكاديميون تسميتهم، يجرون استحقاقهم بهدوء. يعالجون الأسئلة ضمن الممكن، لكونها لم تتكيّف بعد بما يتناسب مع قدراتهم الاستيعابية أو هذا على الأقل ما يقوله معلموهم. بعض الممتحنين يستعين بمن يكتب عنه، وآخرون يقرأون حركات الشفاه ويراقبون الإشارات وينتظرون تفسيرات المراقبين للغموض في بعض الأسئلة. هنا عدد المرشحين للشهادة المتوسّطة 32 تلميذاً لم يغب منهم أحد تتوزع حالاتهم بين إعاقة سمعية وبصرية وشلل وضمور عضلي واضطراب بصري حركي.
ترافق معلمة الاجتماعيات (تاريخ، جغرافيا، وتربية) في مركز الهادي للإعاقة السمعية والبصرية ساري سمحات تلامذتها لسبب وحيد هو «أنّ الامتحانات لا تعكس احتياجات الأولاد». تقول إنّ «الأسئلة طويلة ولا تراعي المستويات المختلفة للتلامذة الصم الذين لديهم مشاكل في الذاكرة القصيرة الأمد، كما أن هناك حاجة لتوحيد لغة الإشارة بين الجمعيات المتعددة التي ترعاهم، فيما الوقت المخصص لهم قصير جداً». لكن الصُم لا يعانون من صعوبات ذهنية؟ تجيب: «بلى، لذلك أقول مستويات فالبعض لديه ديسلاكسيا (عسر في القراءة) وآخرون يشكون من تشتت ذهني وقسم ثالث لا يقوى على فهم جملة عربية تامة». تتمنى لو أنّ الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التربية بهذا الخصوص تُستكمَل بإعداد امتحانات مكيّفة تجعل التجاوب أفضل والمساندة أقل.
في المقابل، تتحدث رئيسة المركز سهام تمراوي عن أسئلة معدّلة خاصة بكل حالة، وتقصد أن بعض المسابقات خالٍ من الصور والمستندات التي يعالجها التلامذة الآخرون. وقد تم تكبير الأسئلة للتلامذة الذين يعانون من إعاقات بصرية طفيفة، فيما «أمّنّا آلة البرايل التي تسمح للمكفوفين بإنجاز امتحاناتهم بسهولة ويسر».
التربويون ينتظرون أكثر من ذلك. يريدون أن تتلاءم أسس التصحيح (bareme) مع تلامذتهم وأن تتأقلم المناهج مع احتياجاتهم وأن تتألف لجان تضم متخصصين في التربية الخاصة لإعداد الأسئلة المناسبة لهم. لا يزال مرسوم إعفاء فئات الصعوبات التعلّمية من امتحانات البريفيه الصادر في عام 2005ـــــــ2006 يثير اعتراض بعض المدارس الخاصة الدامجة. فالمرسوم لم يخدم الولد ولم يخدم الشهادة.