جلسن ينتظرن الفرج في بهو مستشفى رفيق الحريري الجامعي (الحكومي). كنّ أربع سيدات يُردن الحصول على جرعة مضادٍ حيوي لـ«داء الكلَب»، بعد تعرض إحداهن لعضّة كلب مفترس. الهدوء السائد لم يلبث أن تحوّل إلى استياء شديد لدى إبلاغهن أنّ المصل المضاد غير متوافر في المستشفى حالياً. وبعد أخذ وردّ، عادت إحدى الممرضات لتبلغهن بأنّ هناك جرعة لشخص واحد فقط موجودة في مستشفى الكرنتينا. فوجئت السيدات الأربع بالخبر، فخرجت عبارات التذمّر والاستياء لتصل إلى حدّ الشتائم، لكنّ الممرضة لم تجد ما تُبرر به سوى إلقاء اللوم على وزارة الصحّة، باعتبار أنّ «المضاد الحيوي يوزّع حصراً لعدد من المستشفيات دون غيرها وبكميات محدودة».
لا تُشبه رحلة الرعب التي عاشتها السيدة م. صليبي غيرها. تحكي عن هاجس داء الـ«كلَب» الذي انتابها؛ إذ على الرغم من أن الإصابة به لا تودي بحياة المصاب، إلا أنّ معظم من يتعرضون لعضّة من كلب «يثيرون الذُّعر». هكذا تقصّ صليبي كيف عضّها كلبٌ شارد في يدها أثناء ممارستها رياضة المشي قرب منزلها في عاليه. ولتجنّب إصابتها بـ«داء الكلَبْ»، نُقلت على عجل إلى المستشفى في منطقتها، لكنّ إدارته طلبت من ذويها نقلها إلى طوارئ مستشفى رفيق الحريري الجامعي بسبب عدم توافر المصل المضاد المعروف بـ«Verorab»، مشيرة بانفعال إلى أنهم «طلبوا مني تناول حقنة كزاز في صيدلية ما لأنها غير متوافرة لديهم».
لم تُعرف الأسباب الموجبة لفقد مضاد حيوي ضروري كهذا من معظم المستشفيات بحسب العاملين هناك، إلّا أن رئيسة دائرة الأمراض الانتقالية في وزارة الصحّة الطبيبة عاتكة بري ذكرت لـ«الأخبار» أن «الوزارة تتعمّد عدم توزيع المصل المضاد (Virorab) إلّا لعشرة مستشفيات حكومية منعاً لاستغلاله مادياً»، باعتبار أنّه «مجاني وعلى حساب الوزارة مئة في المئة». وأشارت بري إلى أن المستشفيات العشر هي: مستشفى الكرنتينا الحكومي، مستشفى رفيق الحريري الجامعي، مستوصف زحلة المركزي، مستشفى بعلبك الحكومي، مستشفى الهرمل الحكومي، مستوصف صيدا الحكومي، مستوصف النبطية الحكومي، مستشفى طرابلس الحكومي ومستشفى حلبا الحكومي. ورداً على الاتهام الموجه إلى الوزارة بالتقصير في توفير المضاد الحيوي، ذكرت بري أن الـ«Verorab» موجود في مخازن الوزارة بمقدار 2400 جرعة، كاشفة أنهم طلبوا 2000 جرعة إضافية «ستصل بحلول أيلول المقبل، تحسباً لارتفاع عدد الإصابات في ظل النزوح السوري إلى لبنان». وتوضح بري أن المتوسط السنوي المسجّل للإصابات بداء الكلب في لبنان يبلغ نحو 500 إصابة، ومن المحتمل أن يزيد هذا المعدّل في السنة الجارية، علماً أنّ كل حالة بحاجة إلى ثلاث جرعات أو أربع من المضاد الحيوي كي تشفى وتمنع من تفاقم الحالة.
وتذكر بري أنّ هناك آلية خاصة لتسليم المصل للمستشفيات؛ إذ تُسجّل في استمارة خاصة تحصي عدد الجرعات المستعملة التي تُستبدل بأخرى جاهزة للاستعمال، علماً بأنّ ذلك يساعد في إحصاء عدد الإصابات بالأسماء والعناوين كي يتسنى لطاقم القسم في الوزارة متابعة الحالة والإصابات ورصد تطورها. كذلك تتضمن الاستمارة معلومات عن الكلب المهاجم؛ إذ إن هناك فرقاً كبيراً بين كلب منزلي وآخر متشرّد. وتسأل الاستمارة أيضاً عمّا إن جرت تصفية الكلب أو بقي طليقاً.
ولتوضيح اللبس الحاصل مع السيدة صليبي، قالت مديرة مستشفى الكرنتينا الحكومي ليلى القزي إن الوزارة تمد المستشفى بعقار الـ«Antirabi» منذ أواخر السبعينيات، ولكن «لا جدول واضحاً لآلية الطلب والاستهلاك، باعتبار أن عدد الإصابات يختلف بين شهر وآخر»، وذكرت أن المعدل العام للإصابات يبلغ عشر حالات شهرياً، ما يستوجب توفير خمسين جرعة شهرياً. ولدى الاستفسار عن شكوى بعض المرضى من فقدان هذا المضاد، أجابت بأنّ «المسألة ليست تقصيراً من قبل إدارة المستشفى ولا من قبل الوزارة»؛ إذ إن «الدواء المذكور نفد، ولم يكن قد تسنى لنا الوقت لطلب المزيد من الجرعات بسبب كثرة الضغط والنقص في الطاقمين الإداري والطبي».
لم يكن الحال مماثلاً في مستشفى رفيق الحريري الحكومي. فبعد طول عناء ومحاولات حثيثة لاستيضاح القيمين على المستشفى عن سبب عدم توافر المضاد الحيوي لديها، على الرغم من أنها مشمولة بالمستشفيات التي توزّع الوزارة عبرها مثل هذا المضاد، ردّ مساعد المدير العام للمستشفى الدكتور بلال المصري بأن «الدواء قد ينقطع ليومين وربما ثلاثة أيام، وهذا أمر طبيعي باعتباره ليس مصنّفاً ضمن خانة الأدوية المنقذة للحياة»، فضلاً عن أن «التأخر بتناول الجرعة منه لا يُشكّل خطراً على حياة المصاب».