لم يُكتب للجلسة التي كان منتظراً عقدها في بلدية طرابلس أن تلتئم، بهدف طرح الثقة برئيسها نادر غزال، بسبب الوضع الأمني المتوتر في مدينة طرابلس أمس، بعد خروج عشرات المسلحين إلى الشوارع المحيطة بمقر البلدية وفي ساحة التل المجاورة، وهم يطلقون النار في الهواء، احتجاجاً على توقيف الجيش اللبناني أحد المطلوبين المدعو غالي حدارة.
وكان غزال والأعضاء المعارضون والموالون له قد بدأوا بالتوافد إلى مقر البلدية ابتداءً من الخامسة والنصف، أي قبل موعد الجلسة بنحو نصف ساعة، لكن مع اقتراب موعد انعقادها، كانت مجموعات من المسلحين قد بدأت تنتشر تدريجاً في المدينة، ما أثار القلق في نفوس غزال والأعضاء، الذين سارع بعضهم إلى مغادرة البلدية على الفور.
ولم تمضِ دقائق بعد ذلك حتى كان سائر الأعضاء وغزال يغادرون مقر البلدية تباعاً، خوفاً من تدهور الوضع الأمني نحو الأسوأ ومن أن يحاصروا داخل البلدية، من غير أن يُعرف موعد الجلسة المقبلة التي سيحددها غزال لهذه الغاية، بانتظار تبلور الوضع الأمني. لكن ما حصل في طرابلس أمس، لم يحجب ما حدث في بلدية الميناء السبت الماضي، عندما استقال 10 أعضاء من بلديتها قبل جلسة طرح الثقة برئيسها محمد عيسى، ما جعل الأصوات متعادلة بين المؤيدين والمعارضين له، الأمر الذي يعني أن البلدية باتت في حكم المنحلة إذا قبل محافظ الشمال استقالتهم ضمن مهلة شهر، وأن تصبح البلدية في عهدته.
أول ارتدادات ما شهدته بلدية الميناء تمثل في إنهاء التحالف الذي كان قائماً بين الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي، وتركيب تحالف سياسي جديد يضم تيار المستقبل والصفدي والوزير فيصل كرامي، على حساب ميقاتي الذي أصبح وحيداً، نتيجة عدم محافظته على الحلف القديم بينه وبين تيار المستقبل والصفدي الذي تمثل في انتخابات 2009، ولا التحالف الذي ضمه والصفدي وكرامي بعد تشكيل حكومته الثانية مطلع 2011.
وليس خافياً أن ما حصل في بلدية الميناء ترك شرخاً عميقاً بين ميقاتي والصفدي وكرامي وتيار المستقبل، قد يكون من الصعب ردمه بسهولة في المدى المنظور، وخصوصاً بعدما فشلت الاتصالات واللقاءات في إيجاد مخرج للأزمة، وفي تقريب وجهات النظر بين الأطراف، نتيجة انعدام الثقة بينهم.
فقد نقل عن مصادر مقربة من ثلاثي الصفدي وكرامي وتيار المستقبل أن ما حصل في بلدية الميناء هو «جريمة ارتكبت بحق أهل الميناء، لأن بقاء البلدية موجودة أفضل من فرطها ووضعها في عهدة المحافظ؛ لأن أي مواطن من الميناء سيضطر حينها إلى الانتظار أشهراً لإنجاز معاملة ما، كان يحصل عليها خلال ساعات».
وعن تحميل عيسى وحده مسؤولية تأزم الوضع في بلدية الميناء، وأنه لم يسهم في إحداث نقلة إنمائية فيها، ردت المصادر أن «حكومة ميقاتي كانت تضم إلى رئيسها 4 وزراء من طرابلس، ومع ذلك لم تفعل شيئاً إنمائياً يُذكر، فهل ينبغي تحويل محمد عيسى إلى كبش محرقة ليُغطي فشل الآخرين؟».
وحملت المصادر على ميقاتي، لأنه «لم يلتزم تعهداته التي قطعها، وأثبت أنه يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر»، مشيرة إلى أنه «عندما طلبنا منه أن يضغط على عضو بلدية الميناء صلاح كلسينا، الموظف في مكتبه، كي لا يستقيل، ردّ بأنه لا يمون عليه، فإذا كان رئيس حكومة لا يمون على موظف لديه، فكيف سنسير معه في تحالف انتخابي نيابي إذا كان تحالفنا البلدي هكذا؟».
لكن المصادر التي عوّلت على مراجعة بعض الأعضاء المستقيلين من بلدية الميناء ضميرهم، أكدت أن «هناك مخرجاً لما حصل في بلدية الميناء سينهي أزمتها»، كاشفة أن بعض الأعضاء المستقيلين «تعرضوا لضغوطات، كما جرى عبرهم تضليل الرأي العام في الميناء، من أجل تحقيق مصالح سياسية وشخصية ضيقة».
وإذا كان ما حصل في بلدية طرابلس يعني تسجيل انتصار للتحالف الثلاثي الجديد على حساب ميقاتي، سيكون المستفيد الأول منه غزال إذا جدد له، رغم أنه كان حتى أيام قليلة لا يمتلك أي أمل في تجديد ولايته، فإن ما حصل في بلدية الفيحاء لن يمرّ بلا تداعيات.
أول هذه التداعيات أن بعض الأعضاء الذين قد يصوتون لغزال أوضحوا لـ«الأخبار» أنهم سيقدّمون استقالاتهم عقب الجلسة؛ لأن «ما سنفعله يأتي عكس قناعاتنا نتيجة ضغوطات مورست علينا من سياسيين»، لافتين إلى أنه «عندما يختلط الشأن البلدي بالشأن السياسي، وأن نترشح على لائحة سياسيين، لا كمستقلين، نجبر حينها على أن نكون بلا رأي».
ثاني هذه التداعيات أن الأعضاء المعارضين لغزال الذين قدّموا طلب طرح الثقة به، أشاروا إلى أنهم لن يقدموا استقالاتهم من بلدية طرابلس، كما حصل في الميناء، وأنهم «مستمرون في خدمة المدينة من داخل البلدية لتصحيح الأخطاء، سواء بقي غزال أو ذهب، مع أن بقاءه في منصبه يعني التجديد والفوضى وخراب المدينة».