«يا زعني يا زعني، الجميّل مش أحسن مني، القاضي لي بيحمي الأزعر، بيصير مركزو أكبر»، و«شبيح مسلح عار عار. دركي بيتفرج، والقاضي راضي»، و«يا للعار يا للعار، شوفو بالدولة شو صار، شو بالقضاء شو صار، دولتنا دول تجار».
هذه عيّنة من الهتافات التي صدحت بها أمس حناجر مواطنين يطالبون علناً بمحاسبة قاضٍ لبناني، ويسمونه بالاسم. إنه القاضي داني الزعني الذي يشغل منصب معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.
الغضب على فساد القضاء، فجره أداء القاضي الزعني في التحقيق بملف حادثة الاعتداء على مقر جمعية «نسوية» في منطقة مار مخايل من قبل مرافقي النائب نديم الجميّل.
لم يكلّ العشرات من المعتصمين الذين اجتمعوا، أمس، أمام بوابة قصر العدل عن الهتاف، استنكاراً لما حصل، وخصوصاً إطلاق سراح المعتدين الذين ما لبث واحد منهم أن عاود الاعتداء على النشطاء أمام مخفر الجميزة.
ردد المعتصمون بصوت واحد: «ما راح يبقى وما بيدوم، أي مسؤول فوق القانون»، و«يا للعار يا للعار، القاضي انشرى بالدولار»، و«يا زعني يا زعني، عدالتك ما بتمثلني، الميليشيات مش أقوى مني»، و«القاضي يلي بيحمي الأزعر بيصير مركزو أكبر».
يرى الوزير السابق شربل نحاس، الذي شارك في الوقفة أمام العدلية، أن هذا «التحرك الدفاعي يثبت حدوداً معينة أمام استسهال التوقيف الاعتباطي وترهيب الناس». ووصف حماسة المشاركين بأنها «عصب مجهز لصد هذا المفصل البشع من الترهيب والحط من الكرامة».
المحامي نزار صاغية أكد في حديث لـ«الأخبار» أنها «المرة الأولى التي يشهد فيها حراكاً مواطنياً أمام باب العدلية للمطالبة بوضع حد للعلاقة المشبوهة والمريبة بين سياسيين وقضاة. القضاء هدفه الأساسي أن يكون حامياً للمواطن من السلطة، وليس سلاحاً للسلطة ضد المواطن. وهذا الحراك يهدف إلى تغيير هذه المعادلة».
وأضاف صاغية: «هذه خطوة أولى لا بد من أن تحصل. مضت فترة طويلة لم نعد نسمع الناس تدافع عن استقلالية القضاء ونزاهته. اليوم عبر هذه القضية وعبر تصميم الشباب وإصرارهم، بات الأمر ممكناً».
يشدد صاغية الذي أسس مع عدد من زملائه جمعية «المفكرة القانونية»، أن رسالة هذا التحرك هي بالدرجة الأولى موجهة إلى القضاة والمحامين؛ «لأنهم الشهود على المفاسد والمظالم التي تحصل في داخل قصر العدل».
برأي صاغية أن «المثابرة هي الأساس، وكما كان هناك حملة لاسترجاع البرلمان، يجب أن تنطلق حملة لاسترجاع العدلية؛ لأنها ملك للناس. والمفروض أن يكون القضاء شأناً عاماً، وأن تعرف الناس إذا كانت محاسبة قضاة فاسدين تجري جيداً أو لا». وأردف: «منذ شهر صدر قرار عن أعلى هيئة تأديبية. وقاضٍ ثبت فساده أبقوه يحكم بين الناس، وهذا أمر مرفوض ومدان. واليوم ارتكب القاضي داني الزعني عملاً مشيناً بالقبض على المعتدى عليهم وترك المعتدين، وهذا أيضاً غير مقبول، وغضب الشارع يجب أن يتحرك ضد هذه المظالم، وأن تجمع أكبر عدد من الناس، وأن يتركز الخطاب حول العدالة والحقوق الأساسية.
بدوره، رأى نحاس «أن تسويق بعض الإعلام للاعتداء بطريقة مفبركة أمر يمثل شكلاً من أشكال التسلط. وعندما يتحالف الإعلام والقضاء، يتحول المعتدي إلى معتدى عليه، ويصبح التهديد بحجز الحرية أمراً بسيطاً، وهذا مخزٍ».
لا يعتقد نحاس «أن هذا التحرك يمكن أن يشكل وحده مدخلاً لحملة من أجل إصلاح القضاء، والمثال ردّ الفعل الضعيف على تعطيل المجلس الدستوري. لكن أهمية هذا التحرك، أن يشكل حالة للدفاع ضد نماذج وقحة من انحياز القضاء، على الأقل كي لا يصبح التهديد بحجز الحرية للمساومة مع المعتدي أمراً يسيراً».
الناشطة في «نسوية» نادين معوض، وجهت خلال الاعتصام تحيةً لجميع الذين تضامنوا مع ناشطات وناشطي «نسوية»، وجددت مطلب الجمعية بمحاسبة القاضي داني الزعنّي، وأن يقدم النائب نديم الجميّل اعتذار عن الأكاذيب التّي أطلقها، مع حفظ حقوق المتضررين بالحصول على تعويضات، والتشديد على محاسبة ومعاقبة العسكريين والمدنيين الذين اعتدوا على مقر الجمعية وعلى النشطاء أمام مخفر الجميزة.
وحفلت أمس مواقع حزبية تابعة لقوى 14 آذار بمقالات عنصرية ضد جمعية «نسوية». ولم تتميز هذه المقالات فقط بالدفاع السياسي عن النائب الجميّل، وهو أمر مبرر لموقع مثل Now Media، الذي يشكل الذراع الإعلامية الأبرز لقوى 14 آذار. لكنّ اللغة التي طغت على مقالة الكاتب عماد موسى بعنوان «نسوية رجالية ولاّدية»، متهماً ناشطات الجمعية بأنهن يعانين «من كبت جنسي إلى أن يثبت العكس»، تطرح علامات استفهام حول استفحال الموقع الممول بجزء منه من جهات أوروبية، في خرقه لمعايير حقوق الإنسان. ولقد عمدت إدارة الموقع إلى حذف هذه العبارة في وقت لاحق، من دون أن توضح للقارئ أن المقال معدل وفق ما تقتضيه أبسط قواعد المهنية في الصحافة الإلكترونية.