لم تخرج هيئة التنسيق النقابية من معركتها بـ«فتافيت» زيادة على الرواتب والأجور فحسب، بل إنّ السلطة السياسية نجحت في تجميد المطالبة بأي زيادة أخرى قبل العام 2018. لن يكون استمرار التضخم وزيادة الأسعار عاملاً مأخوذاً في الاعتبار، ما دام المعلمون والموظفون سيرزحون تحت «مقتل» تقسيط سلسلة الرتب والرواتب على أربع سنوات وتجزئة درجات المعلمين على 6 سنوات.
فالمشروع المحال إلى المجلس النيابي في 13 حزيران الماضي أسقط مفهوم السلسلة، بما هي حلقات أو جداول مترابطة ومتساوية، ضارباً التوازن في الفروقات الطبيعية بين الفئات الوظيفية. وبدلاً من أن تذهب الزيادة الأعلى للفئة الأكثر فقراً وأن يكون مسارها تنازلياً أي من الفئة الخامسة إلى الفئة الأولى، كما هي الحال في سلسلة القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية، ولما لهذا الأمر من معنى اجتماعي، فإنّ الترقيع هو ما حصل وقد جرى تمييز بين العاملين في القطاع العام في حين أنّ الغلاء وتدني قيمة الرواتب يطال الجميع.
وكان تقسيط السلسلة قد خرّب تصحيح الرواتب عن 17 سنة (بلغ فيها التضخم أكثر من 120%)، في حين جاءت السلسلة المقترحة لتعوّض عن التضخم المرتقب للسنوات الأربع المقبلة في أحسن الأحوال. ويتوقع أن تبلغ نسبة التضخم بين 2012 و2016 في حدها الأدنى 21%. أما القسط الأول في هذه الزيادة فيراوح بين 3% و25%، تبعاً للفئات الوظيفية، وقيمته هي الأدنى بين الأقساط الأربعة.
من هنا، فإن المطالبة بإلغاء التقسيط ستكون بنداً أساسياً في المذكرة المطلبية التي ستوزعها هيئة التنسيق، اليوم، على 128 نائباً، عشية جلسة اللجان النيابية المشتركة، الخميس المقبل. برأي الهيئة، المطلب مشروع تحت عنوان العدالة والمساواة والتعامل بالمثل في كل قطاعات الدولة اللبنانية.
هنا تذكّر الهيئة كيف أنّ القضاة نالوا سلسلتهم دفعة واحدة من دون تقسيط بموجب القانون 173 الصادر بتاريخ 3/9/2011، فبلغت نسبة الزيادة 95.24% للدرجة الأولى و72.57 % للدرجة 22. كذلك ارتفعت قيمة الدرجة من 158 ألف ليرة إلى 250 ألفاً، أي بنسبة 58.23 %.
أساتذة الجامعة اللبنانية قبضوا هم أيضاً سلسلتهم بلا تقسيط، بموجب القانون 206 الصادر بتاريخ 3/8/2012، إذ بلغت نسبة الزيادة على رواتبهم 78.31%.
في المقابل، ظلم التقسيط كل المشمولين بمشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 10416 الرامي إلى رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور وإعطاء زيادة غلاء معيشة للموظفين والمتعاقدين والأجراء في الإدارات العامة وفي الجامعة اللبنانية والبلديات والمؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل، وتحويل رواتب الملاك الإداري العام وأفراد الهيئة التعليمية في وزارة التربية والتعليم العالي والأسلاك العسكرية. الظلامة وقعت بصورة خاصة على الفئتين الوظيفيتين الرابعة والخامسة، فتبين أنّه إذا ما طبقت السلسلة كما هي فسيخسرون من رواتبهم بدلاً من أن تصحح إلى الأحسن. المطلب هو إنصاف هاتين الفئتين على أساس الحفاظ على فارق السبع درجات بين الفئتين الرابعة والثالثة والتسع درجات بين الفئتين الخامسة والرابعة وتعديل نسبة درجاتهما لتتساوى مع نسبة درجات الفئات الأخرى.
كذلك تطالب المذكرة بإلغاء تجزئة درجات المعلمين على 6 سنوات، أسوة بكل المشمولين بالسلسلة من قضاة وموظفين. هذه التجزئة حرمت المعلمين الذين سينهون خدماتهم خلال هذه السنوات الست من الاستفادة من الدرجات الست كاملة. وحرمت أيضاً المعلمين المتقاعدين من الدرجات، أي أنّها حرمتهم مما يقارب 50% من قيمة الزيادة. المعلمون خسروا أيضاً فروقات الدرجات، ولن تكتمل زيادة السلسلة لديهم قبل 2018 ما دام سيبقى لديهم درجة في العام 2017 وأخرى في العام 2018، بينما تكتمل الزيادة لدى باقي الموظفين في العام 2016 وتبقى فروقاتهم حتى 2018.
التجزئة ليست الغبن الوحيد الذي لحق بالمعلمين بل هم ظلموا أيضاً بقيمة الدرجة نفسها. تاريخياً وتحديداً بين العام 1961 والعام 1999 كانت قيمة الدرجة متساوية بين المعلمين والموظفين الإداريين، ثم ارتفعت قيمة درجة المعلمين بعد صدور القانون الرقم 717 بتاريخ 15/11/1998، لتصبح بدايتها مع السلسلة الجديدة 73 ألف مقابل 95 ألفاً قيمة الدرجة الأولى للموظفين الإداريين. هنا تؤكد المذكرة أهمية رفع قيمة الدرجة بما يؤمن المساواة في الفئة عينها.
المعلمون يريدون الحفاظ على موقعهم الوظيفي المتمثل بفارق 6 درجات مع أساتذة الجامعة وبما يحفظ الحقوق المكتسبة لقاء الزيادة في ساعات العمل والمكرسة في القوانين 148/1999 وتعديلاته، 244/2000 ،250 /2000 ،102/2010 ،159 /2011 ،223/2013.
تركز مذكرة هيئة التنسيق أيضاً على شمول المعلمين المتعاقدين في التعليم الثانوي والأساسي والمهني الرسمي بالزيادة، أي رفع أجر الساعة بنسبة زيادة غلاء المعيشة والزيادة اللاحقة بسلسلة الرواتب واحتسابها وفق قاعدة ثلاثية، بحسب عدد ساعات التعاقد. يذكر أنّ المشروع المحال إلى المجلس النيابي لم يأت على ذكر المتعاقدين، فلم يُحسب هؤلاء على القطاع العام ولا يعاملون في الوقت نفسه كقطاع خاص، أي أنّهم لا يتقاضون بدل نقل وضمانات صحية واجتماعية على غرار معلمي المدارس الخاصة الذي لم ينالوا هم أيضاً بالمناسبة غلاء المعيشة ابتداءً من 1/2/2012، في انتظار إقرار السلسلة في المجلس النيابي. وما ينطبق على المتعاقدين ينطبق أيضاً على الأجراء.
أما ربط السلسلة بسقف محدد بعجز الموازنة (المادة 26 : لا يجوز أن يؤدي إقرار هذا القانون إلى زيادة عجز الموازنة العامة بما يفوق 5.250 مليار ليرة لبنانية فقط لا غير)، يعني فعلياً، بحسب المذكرة، عدم دفع مستحقات السلسلة، فهذه المادة تذكّر هيئة التنسيق بالعبارة المشهورة «في حال توفر الاعتمادات».
تنتظر هيئة التنسيق أن تُدعى إلى جلسة اللجان النيابية المشتركة لسماع رأيها في كل النقاط التي تطرحها لتعديل المواد المجحفة في المشروع. الهيئة علقت مقاطعة أسس التصحيح والتصحيح في الامتحانات الرسمية كبادرة حسن نية بعد إحالة سلسلة الرواتب إلى المجلس النيابي، لكن قادتها سيعتبرون مجرد عدم دعوتهم إلى حضور اللجان موقفاً سلبياً سيبنون عليه تحركهم المقبل.

(غداً حلقة عن البدائل الضريبية التي تطرحها هيئة التنسيق)