لم يكن يعلم المستشار عدلي محمود منصور في اليوم الأول لتوليه رسمياً مهمات عمله القضائي الأخير كرئيس لأعلى محكمة مصرية، «المحكمة الدستورية العليا»، قبل عامين من بلوغه سن المعاش القانوني (70 عاماً)، أن القدر سيشاء أن ينهي مسيرته بأعلى منصب في البلاد، رئيس جمهورية مصر العربية، بعدما ضاق الشعب برئيسه المنتخب، وخرجوا من كل فجّ عميق ليعلنوا سقوط النظام، معتبرين أنه الشخص الأمثل لتولي رئاسة البلاد خلفاً لمحمد مرسي، لضمان عدم وجود فراغ تشريعي وعدم انفراد المجلس العسكري بالحكم من جديد، بوصفه الأقدر على الحؤول دون انحراف المسار التشريعي لمصر، كما حدث خلال الشهور الثلاثين التالية لثورة «يناير».
الرجل، الذي ظل طوال مسيرته من عمره حريصاً على البعد عن الإعلام ووهج الفضائيات ومنكباً على عمله القضائي، يؤمن بأن دور القاضي يقتصر على دراسة النزاع المعروض عليه والتوصل إلى حكم يتفق مع صحيح القانون والدستور إلى جانب ضميره فقط. ورغم حصار المحكمة الدستورية العليا، بل ومنعها من إصدار أحكام في قضايا بعينها، من قبل أنصار الرئيس قبل شهور قليلة من الآن، فإن ذلك لم يغير من طبيعة المستشار، وظل محافظاً ومتجنباً الاحتكاكات ومبتعداً عن القضايا المثيرة للجدل. لم يعلق على الأمر، ولو بكلمة، رغم كونه النائب الأول لرئيس المحكمة وقتها. طبيعة منصور المتحفظة وغير المحبة للظهور لا تنفي رصانة وموضوعية التصريحات الشحيحة الصادرة عنه لوسائل الإعلام. المقربون منه، سواء داخل المحكمة الدستورية العليا أو زملاؤه في مجلس الدولة، البوابة التي التحق بالمحكمة الدستورية من خلالها، يؤكدون أنه قاضٍ من طراز رفيع، ليس له أي انتماء سياسي.
أما القوى السياسية والثورية، فسمّته الشخص الأفضل لتولي رئاسة الفترة الانتقالية ما بعد سقوط الرئيس مرسي، مشيرة إلى أنه رغم تصريحاته الشحيحة والمقتضبة لوسائل الإعلام، حرص على تأكيد قانونية المحكمة الدستورية وشرعيتها، مع أن الرئيس المعزول محمد مرسي لم يستدعه لأداء اليمين الدستورية. وكانت حملت «تمرد»، وجبهة «30 يونيو» من بعدها، قد سمّتاه لقيادة المرحلة الانتقالية بعد إسقاط مرسي، لكن الإخوان تصدّوا لهم بحجج قانونية، تقول بأنه لم يؤدّ اليمين الدستورية أمام الرئيس، وبالتالي لا يحق له تولي الرئاسة في حال خلوها. معضلةٌ حلّها المجلس العسكري في بيانه، معلناً أن منصور سيؤدي اليمين أمام المحكمة الدستورية اليوم، وليس أمام الرئيس.
منصور يحظى بسيرة ذاتية حافلة على الصعيد القضائي؛ فعلى مدار 29 عاماً من العمل القضائي، سواء في مجلس الدولة، الذي قضى فيه 8 سنوات ابتداءً من عام 1984 وحتى عام 1992، تنقّل في جميع أقسام المجلس القضائية والإفتائية، أبرزها إدارة الفتوى في رئاسة الجمهورية وفي وزارة العدل والداخلية والدفاع. سافر للعمل في السعودية لمدة 7 سنوات، قبل اختياره للعمل قاضياً في المحكمة الدستورية العليا ابتداءً من 17 كانون الثاني 1992. شارك في كتابة غالبية أحكام المحكمة الدستورية، وأبرزها أحكام حل مجلس الشعب وبطلان مجلس الشورى وتشكيل الجمعية التأسيسية الأخيرة، إلى جانب قرارات المحكمة برفض قانونَي مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات البرلمانية اللذين أعدهما مجلس الشورى في المرة الأولى والثانية.
المستشار عدلي منصور سيتولى مهمات القائم بأعمال رئيس الجمهورية لفترة مؤقتة، لم تحدد للوقت الحالي، ولكن التكهنات تشير إلى أنها لن تزيد بكل الأحوال على 6 أشهر. وعلى الأرجح أنه لن يكون رئيساً شرفياً، بل ستكون له سلطة إصدار إعلانات دستورية تحدد طبيعة المرحلة وتبلور شكل دستور مصر المقبل، وما إذا كان سيُبقي على الدستور الذي أعدته تأسيسية الإخوان مع إدخال بعد التعديلات عليه.