يعالج «المرأة في العالم العربي وتحديات الإسلام السياسي» (مركز المسبار ــ 2013) أحوال النساء في دول الربيع العربي. دراسات شارك فيها عدد من الباحثات شملت ست دول، هي مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا والمغرب. أما الكتاب، فيضعنا أمام فرضية مزدوجة: تزايد فاعلية المرأة وحراكها السياسي مقابل هجمة غير مسبوقة من قبل الإسلاميين والسلفيين عليها. رجاء بن سلامة، وآمال قرامي، ونبيلة الزبير، وآمال العبيدي، وفاطمة الزهراء أزرويل، وسيرين خوري، وميرفت حاتم، وهند مصطفى وغيرهن من المختصات في قضايا المرأة طرحن إشكاليات عدة، أظهرت مدى قلق المرأة من النتائج التي آلت إليها الثورات، منها ظهور عداء ثلاثي الأبعاد: مجتمعي وإسلاموي وسياسي. عالجت الدراسة الأولى «الحراك النسائي في المجال العام» مشاركة النساء في الاحتجاجات الشعبية، وأبرزت تراجع التمثيل السياسي للمرأة داخل مواقع القرار، تحديداً في مصر وتونس. كذلك أظهرت اتجاهات العنف ضد الثائرات العربيات والمحاولات الحثيثة لتطويع أجسادهن عبر استخدام الاغتصاب والإكراه بهدف إعادتهن الى دائرتهن الخاصة وإقصائهن عن الميادين.
الأكاديمية التونسية رجاء بن سلامة تطرّقت الى «المرأة في خطاب حركة النهضة» وكشفت عن التناقض في أدبياتها تجاه حقوق النساء السياسية والاجتماعية. أبرزت الباحثة ازدواجية آراء راشد الغنوشي وغيره من أعلام الحركة لتخلص الى أنّه لا تغيير نوعياً في لبّ فكر الحركة إلا على أساس ذرائعي. في «دوائر الخوف التونسيات والتيارات السلفية»، درست آمال قرامي هجوم السلفيين في تونس على النساء وبيّنت خطورة الخطاب السلفي على حقوق المرأة التونسية المكتسبة، معالجةً ظواهر تبدو غريبة عن المجتمع التونسي كالأبواق السلفية الداعية الى ختان الإناث وزواج القاصرات وتعدد الزوجات وفرض الحجاب. أما في مصر، فتناولت أستاذة العلوم السياسية في جامعة «هاورد» (واشنطن) ميرفت حاتم سرديّات النوع في «ثورة 25 يناير» النسوية منها والليبرالية والإسلامية والمحافظة. ورأت أنّه يصعب القول إنّ الثورة التي تمر في مرحلة انتقالية خدمت أو قوّضت مصالح كل النساء أو كل الرجال. وقد حاولت هند مصطفى الإجابة عن إشكاليات أساسية أبرزها: كيف يمكن الأدبيات النسوية الإسلامية أن تبلور معرفة دينية جديدة تواكب الحراك السياسي؟ سلطت الباحثة المصرية الضوء على نشاط المنتميات الى النسويّة الإسلامية في مصر ومواقفهن من الثورة وحقوق النساء.
في اليمن، أشادت الباحثة والروائية نبيل الزبير بالناشطات اليمنيات وإسهامهن في الثورة. ولم تتوقف عند نشاط المرأة لحظة انطلاق احتجاج عام 2011، بل رفدت دراستها بمادة تاريخية كشفت عن التقدم النسبي في أدوار النساء، لا سيما في الستينيات. لكن صاحبة «إنه جسدي» أبدت تخوّفها من تصاعد لغة الإسلاميين المتشددين وممارساتهم، وبيّنت أنّ وضع اليمنيات قبل الثورة نفسها تراجع بعد المبادرة الخليجية. في الحالة السورية، درست الناشطة الحقوقية سيرين خوري التي تعرضت للاعتقال نشاط السوريات كثائرات، وأكدت أنه لا بد لأي ثورة حقيقية من أن تؤسس لإطار قانوني يكرس المساواة بين الجنسين، مبدية تشاؤمها من مستقبل المرأة السورية «بعد الثورة»، رغم مشاركتها في الحراك السياسي. الباحثة آمال العبيدي حاولت استكشاف واقع الليبيات خلال الثورة، وتعقّبت تحديات المرحلة الانتقالية وأثرها على سياسات تمكين المرأة عبر تشخيص واقعها خلال تلك الفترة، من خلال مشاركتها السياسية في الحكومات المؤقتة والمؤسسات الانتقالية كالمجلس الوطني الانتقالي والمؤتمر الوطني العام. خرجت الباحثة الليبية بجملة نتائج من بينها: استشراء الخطاب الديني المتشدد الذي ترجم في أعمال عنفية ضد المرأة، والإقصاء المتعمد وتهميش المرأة في مرحلة بناء الدولة، وندرة مشاركة النساء في دوائر صنع القرار. فاطمة أزرويل تكلّمت عن المرأة المغربية وركزت على مدونة الأحوال الشخصية التي تحصن المساواة وتلتزم بنبذ العنف الجنسي، ورأت أن المكاسب الدستورية الجديدة رهينة بنقلها الى المستوى الإجرائي. وأشارت صاحبة «البغاء أو الجسد المستباح» الى المخاطر المستقبلية المحدقة بالنساء في ظل حكومة الاسلاميين (حزب العدالة والتنمية)، إذ لا يوجد سوى وزيرة واحدة بينما الحكومات السابقة شملت سبع وزيرات وكاتبات دولة. أخطر ما تتعرض له المرأة العربية التي سجلت حضوراً لافتاً في الثورات هو تفاقم الظواهر الذكورية/ العنفية التي لم تستوعب بعد هذا التحول في تبدّل أدوار النساء وتموضعهن الكثيف في المجال العام.