أبلسة الإخوان

لو لم أرَ بعيني المرشد العام للإخوان، محمد بديع، يخطب في أنصاره في «رابعة العدوية» بتلك الشراسة وذاك الغباء السياسي، لشككتُ في أنه فعل! أما السبب فهو ما رسخ في ذهني بالمتابعة منذ بداية تحرك 30 يونيو، عن الأداء السيئ لوسائل إعلام مصرية، أخصّ منها قنوات تلفزيونية خاصة وعامة جعلتني اتشكك حتي بما رأيته بأم العين.

كان مضحكاً، بقدر ما يستطيع المرء أن يضحك، لمَن تابع ثورة 25 يناير أن يرى كل وسائل الإعلام التي لعبت دوراً سلبياً ضد تلك الثورة، تلعب اليوم الدور المعاكس تماماً مع ثورة 30 يونيو، مع المحافظة على النتيجة السلبية!
هكذا، كان علينا متابعة تلك القنوات بالمذيعين والمذيعات أنفسهم تقريباً (نشير هنا إلى عودة هالة سرحان واستعراضها الشعبوي السخيف وسجعها السياسي الأسخف) واستطراداً بالأدبيات نفسها: ولعلّ أبرز ما يثير السخرية، هي تلك الشيطنة أو الأبلسة للإخوان، في ظل التعتيم على وسائل إعلامهم، وإغلاق كل قنواتهم التلفزيونية وتلك المتعاطفة معهم، وضخّ أخبار مبهمة المصادر أو لا يبدو أنه تم التأكد منها، لتلبية رغبة متعاظمة لدى الجمهور (بسبب الإعلام جزئياً) بسحلهم ولو معنوياً، دون أن يتاح لهم حتى الدفاع عن أنفسهم.
وفي الحقيقة فإن كل تعتيم غبي. فبما أن الإخوان أثبتوا أنهم لو تركتهم لكرّهوا الناس في أنفسهم من دون «معونة» أحد، بدا أن السلوك الذي سلكته وسائل الإعلام لا مبرّر له، لا بل إن عواقبه خطيرة على المجتمع المصري نفسه. فالإخوان، وليكونوا ما يكونوا، هم جزء كبير وهام وراسخ من هذا المجتمع، وبالتالي فإن حسابات اليوم التالي للثورة ستعاني من إشكالات كثيرة على صعيد انقسام الناس، خاصة في الأطراف، حيث يعرف الجميع الجميع.
هكذا، بدا أداء وسائل الإعلام تلك أشبه بتقنية «فرش الملاية»، كما يقول المصريون بلغتهم العامية البليغة، ونعني بذلك «الردح»، أي سبّ الخصم وتعداد مثالبه مبهّرة وملحّنة ومسجّعة، بالصوت العالي الذي يتوخى وصمه بالعار في المخيّلة العامة، و«تجريصه»، وهي تقنية عقابية متوارثة عن الأتراك!
وفي المحصّلة، كان طبيعياً أن يبلغ هذا السلوك ذروته أمس الأول، حيث صَنَعت الأخبار أفلامٌ اعتمد بعضها بدون أي تدقيق، وشائعات جرى تداولها في شرائط الأخبار العاجلة وعلى صفحات الفايسبوك التي لا مصداقية صحافية لها كون الأصول المهنية تستوجب تقاطع المصادر للتثبت من الخبر.
أما الملفت الآخر، فهو أبلسة «الأجانب العرب»، الفلسطينيون أولاً، الذين لم يشر إليهم بصفتهم تلك، بل بصفتهم السياسية «الحمساويين»، والذين كيلت لهم الاتهامات بأنهم خلف قتل الجنود على الحدود، ما مهّد لمواصلة هدم الأنفاق التي بدأها... الرئيس المعزول مرسي!
أما السوريون والعراقيون؟ فلقد نصحتهم القوات المسلحة بالابتعاد عن التظاهرات المصرية وعدم المشاركة فيها لئلا يجري اعتقالهم والتحقيق معهم. ولقد روى لي صديق أن تظاهرة سورية معارضة للأسد اتّجهت صوب السفارة السورية التي أُعيد افتتاحها للاحتجاج، فكان على الجيش أن يتدخل ليخلّصهم من براثن المصريين الذين كانوا يصيحون بهم أن يعودوا إلى بلادهم ليجاهدوا من هناك!
هل كل ما تقدم يعني بشكل أو بآخر أننا ضد الموجة الثانية من ثورة 25 يناير؟ بالطبع لا. لقد فاجأنا المصريون يهذه الحيوية العامة العبقرية، بهذه القدرة على إعادة تصويب المسار المُصادر منهم، استرداد ثورتهم التي أخذهم نجاحها على حين غرّة ولم تكن لديهم خطة لليوم التالي، ما سهّل سرقتها منهم بواسطة مَن كانوا مستعدين ومنظمين (الإخوان برعاية أميركية وبمشاركة من الفلول). ولكن، إن لم يتداركوا هذه الأخطاء الفظيعة (وهذا غيض من فيض)، فلربما اضطر المصريون لخوض معركة ثالثة لا تلبث أن تعيد خلط المشهد وتصوّبه في النهاية لصالح تحقيق مبادئ الثورة بالعدالة الاجتماعية والحرية، وقبل كل شيء محاسبة كل مجرم وفاسد و.. مضلّل، وهم عندي في المنزلة نفسها، ولكن بعد سقوط المزيد والمزيد من الأبرياء..
ألا تستأهل مصر أفضل من ذلك؟
والنبي تستاهل.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

هلال* هلال* - 7/16/2013 4:20:04 PM

... و ماذا عن أبلسة ما تسمونه "النظام السوري" الجارية على قدم و ساق و على البطن و الظهر منذ أكثر من عامين؟ غريب امر نقدكم الإنتقائي للنمطيات الإعلامية ....

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول مجهول - 7/10/2013 9:57:46 PM

ما هذا يا ضحى؟ تمرين على "مظاهرة معارضة للأسد" مرور الكرام؟

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/10/2013 6:25:06 PM

فعلا وضعونا في حيرة، لا يمكن لنا أن نكون مع الإخوان ولكن لا يمكننا أن نكون مع الفلول وأصدقاء أمريكا!!

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/10/2013 2:31:20 PM

ها قد أُعلنت افتتاحيّة المذبحة، وما سوريّا ببعيدة! فماذا يفعل الإعلام بنا نحن -غير الإخوانيّين- فضلا عن الإخوانيّين أنفسهم وهو يلقي علينا أحكامه القاطعة متحوّلا إلى مدّع وقاض، فيما يستنكف عن التدقيق في بيّناته، غافلا عن ضلوعه في إنتاج المظلوميّات وتكريسها؟! (يا للمظلوميّة، كم باتت سؤالا حادّا!) "الموجة الثانية من الثورة"؟ دعينا نختلف هنا، فالثورة لم تحدث، ليس عن عدميّة يجيء هذا القول، ولكن لأنّ أعراض الحمل الكاذب تكشّفت واحدا بعد الآخر. وقد وقع الجميع في الوهم: من وصل إلى الكرسيّ فاستعجل الاحتفال ب"التمكين"!! ومن راقبه يتصدّر المشهد فطالبه بالإنجازات! لكنّ فئة مهمّة لم تتوهّم، وإنّما لعبت ضدّ الآخرين لعبة الإيهام. نعم، مصر (وأخواتها) تستحقّ أفضل من هذا كلّه بدرجات ودرجات، مصر وأخواتها، ولكنّ عُدّة العقل لم توضع في نصابها بعد، وعسانا ننتصر لها فننتصر بها

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/10/2013 3:31:46 PM

كم تدهشيني بحسك السليم يا فتاة..ليتك تكتبين لنا مقالة رأي بهذا المضمون. فعلا جميل. العقل الجميل. لا اكتمك القول باني بدات اتشكك بكل السيناريو وما قلته عن الإعلام غيش من فيض..سأكتب مقالة اخرى بهذا المعنى.. في الحقيقة انا بصدد كتابتها.. قبلاتي ويسلملي عقلك الحلو باللبناني

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/10/2013 2:12:04 PM

شكرا جزيلا ضحى، لأنّك تفتحين كوّة يتسلّل منها ضوء يواجه هذه العتمة الّتي تختلط فيها الحقائق بالأباطيل، وسط قصف إعلاميّ يحاصر العقل والوجدان. عنونت "الأخبار" غلافها يوم الجمعة 5 تمّوز ب"هستيريا الإخوان"، فيما الهستيريا استحالت سلوكا عامّا (ولا أستثني "الأخبار" نفسها): ما أحسنتِ التقاطه يا ضحى من سلوك وسائل الإعلام هو أحد جوانب الكارثة، وهو ليس جانبا مستجدّا وإن كان بلغ إحدى ذراه في الفترة الأخيرة. هل بلغك أنّ (الستّ) لميس الحديدي "تفدي" مصر بمالها حسبما ذكر مقال أحمد ندا في "الأخبار" قبل أيّام قليلة دون كلمة نقد واحدة؟!! كم من القرّاء والمشاهدين في مصر وخارجها يعلم أو يذكر أنّ لميس هذه كانت مديرة حملة مبارك الرئاسيّة الأخيرة؟!! كم منهم يعلم أو يذكر أنّ زوجها (يا للصدفة) عمرو أديب أحد مهرّجي الشاشات والّذي خرج مطرودا باكيا بعد أن شرشحه شباب ميدان التحرير في يناير 2011، وهو الآن وعلى مدى الشهور الماضية يردح "دفاعا" عن الحرّيّة في وجه الرئيس وجماعته كما يقول مدّعيا "إحنا ما بنخافش"؟!! كم من الناس يعرفون لمن تعود ملكيّة محطّة مثل CBC الّتي يعمل فيها مثل هؤلاء؟! ومن تتبّع منهم خيري رمضان المذيع الّذي فتح الهواء لتلقّي التبرّعات فانهال "كرم" نجوم مصر؟! من ما زال يذكر وقوف إلهام شاهين إلى جانب مبارك وضدّ الميدان لتتحوّل اليوم إلى رمز "للحرّيّة والتنوير" بفعل غباء من قدح فيها؟! أصلا من يذكر أنّها نالت حقّها باللجوء إلى القضاء ولم تحاول "الجماعة الفاشيّة" التدخّل في مجرى القضيّة؟! كم أجدتِ -باختصار ورشاقة- في توصيف (الدكتورة) هالة سرحان، وكم من "الملايات المفرودة" بحاجة إلى كشف! يتبع

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

عربي واقعي عربي واقعي - 7/9/2013 2:36:31 AM

تحياتي ست ضحى. بمناسبةِ حَديثُكِ عن الإعلام في مصر الحبيبة، خطرت لي خاطرة مفادها أنه و منذ حملة السادات على الإرث الناصري، تلك الحملة التي توجها صاحبها بزيارته السيئة الصيت للكيان الصهيوني العدو، و باتفاقية العار في كامب ديڤيد، يتعرض الشعب المصري لظلمٍ من نخبه جميعها باستثناء أقلية بقيت قابضة على الجمرة. التدمير الذي تعرضت له مصر منذ ما بعد عبدالناصر حتى هذه اللحظة، هو ليس نتيجة لسوء أداء نظامي السادات و مبارك فقط، و إنما هو تدمير ممنهج أريد به إخراج مصر من الترسانة العربية التي تواجه الكيان الصهيوني الغاصب بغرض استرداد الحق الفلسطيني، و استرداد حق العرب في حرية قرار إدارة ثرواتهم القومية؛ فاسترداد هذه الحقوق يعني حدوث النهضة. لذا، و طالما أن الشعب المصري عرف الطريقة التي يسترد بها قراره بعد طول مصادرة، أصبح من الضروري الحديث و بصوت مسموع عن ضرورة استكمال الشعب المصري لثورته حتى يتمكن من اقتلاع القواعد التي أُسِّسَّت عليها هزائمه بكافة أشكالها. لو نجح شعب مصر في ذلك، سنشهد تغييراً حقيقيا في العالم العربي من محيطه لخليجه؛ فبدون مصر، يبدو التحرر و النهوض من أشباه المستحيلات. بالتأكيد يا ست ضحى أن مصر تستأهل الأفضل، و كذلك العرب جميعاً يستأهلون الأفضل.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم