لا تخلو التفاتة الناقد والكاتب الإيطالي كارلو شاتريان الذي صار المدير الفني الجديد لـ«مهرجان لوكارنو السينمائي 66» (من 7 حتى 17 أغسطس) من بُعد سياسي يختلط بالدهشة. على الأقل، هذا ما يقوله خيار تسليط الضوء على نتاجات سينمائية معينة آتية من منطقتنا في بادرة أولى في تاريخ هذه الاحتفالية العريقة التي انطلقت في سويسرا عام 1946. وإذا كانت السينما المصرية قد حضرت سابقاً، ومثلها اللبنانية والسورية والفلسطينية والشمال أفريقية، فقد كان ذلك عبر عدد من الأفلام المحققة هنا أو هناك. نذكر مثلاً وثائقي الراحل عمر أميرلاي القصير «طبق السردين» (18 د) قبل أكثر من عقد ونيف.
إلا أنّ عرض خمسة أفلام سورية ضمن بانوراما من 34 عملاً خارج المسابقة، الى جانب الحفل التكريمي للمخرج الألماني فيرنر هيرتزوغ عبر العرض العالمي الأول لفيلمه الوثائقي التلفزيوني «المحكوم عليهم بالإعدام» (2012) بأجزائه الأربعة، أمرٌ يقطع الشك باليقين حول الإشارات السياسية التي يريد المهرجان إيصالها.
سيكون زوار الحدث على موعد مع شريط «حجر أسود» (64 د ـ 2006) وثائقي نضال الدبس الذي يقارب واقع الطفولة في بلده بلغة سينمائية رائعة، و«حكايات حقيقية عن الحب والحياة والموت... وأحياناً الثورة» (65 د ــ 2012) لنضال حسن عن شهادات نساء غائبات وأخريات ما زلن يحلمن بالحب والحياة... وأحياناً الثورة. وهناك «أفق خفيف» (7 د ـ 2012) لرندا مدّاح التي تتابع مصير قرية دمرتها القوات الإسرائيلية عام 1967، و«حكايات غير مروية» ( 45 د ــ 2013) لهشام الذوقي في عرضه العالمي الأول، و«زبد» (41 د ــ 2008) لريم علي التي منعتها السلطات السورية من عرضه في «مهرجان قرطاج السينمائي» وقتها، إذ إنّه يضيء على ظروف اعتقال ومعاناة امرأة شيوعية عبر شهادة شقيقها المقعد.
إلا أنّ التغييرات الكبيرة التي أصابت برمجة فقرات المهرجان لم تنل من ثوابته. ظلّ «لوكارنو» وفياً لخطه العام في اكتشاف الأصوات والمواهب الجديدة، ما يعزز من حظوظ صنّاعها في عرض نتاجاتهم، ودفاعه عن القيم السينمائية والجمالية التي تشكل العمود الفقري للفيلم السينمائي. لذا، اختار كارلو شاتريان عنواناً لافتاً لبرنامج هذه الدورة، فأطلق عليها «سينما التخوم». إذ يرى أنّ فكرة التخوم لا تعني البعد أو العزلة، ولم تعد فكرة «الطليعية» المفردة الموفقة في عالم اليوم المتداخل. لم يعد الرهان في الوصول الى بقعة ما، هو مقياس النجاح، بل إنّ السؤال الأساسي يتمحور حول الرغبة والقدرة على توفير فرص لنتاجات سينمائية يصعب عليها بلوغ المشاهد الأوروبي، بما تحمله من رؤى فنية تجاهد في التعبير عن ذاتها. ولعل المسابقة الدولية مثلاً، المخصصة للعمل الأول أو الثاني تعبر عن ذلك. فقد شملت 20 شريطاً، منها 18 تعرض للمرة الأولى عالمياً، وقد طغى عليها صوت «سينما المؤلف» لتتنافس في ما بينها للظفر بجائزة «الفهد الذهبي». ووقع الخيار على الفيليبيني لاف دياز على رأس لجنة تحكيم تتألّف من خمسة أشخاص. ومن بين العروض العالمية، سنشاهد «حكاية موتي» للإسباني ألبرت سيرا، و«حقيقي» الذي يعيد الياباني كيوشي كوروساوا بعد خمسة أعوام من الصمت، و«دم» للإيطالي بيبو دلبونو عن صعود منظمة الألوية الحمراء في بلده.... ولعل حضور السينما الفرنسية المكثف هو العلامة المميزة للمسابقة الدولية مع مشاركة أربعة أفلام من بينها «حياة أخرى» لايمانويل موريه، و«محطة الشمال» لكلير سيمون، و«رعد» لغيوم براك ووثائقي «بلد همجي» ليرفان جانيكيان ووأنجلينا ريتشي لوتشي.
وجرياً على تقاليد الدورات السابقة، جرت جدولة متأنية لعروض الـ«غراندا بيازا»، أحد معالم هذا المهرجان عبر شاشتها العملاقة التي تتسع لـ8000 مشاهد من عشاق السينما في الهواء الطلق. ولمحاكاة ذائقة شبابية، جرت جدولة العروض بعناية فائقة غرضها جذب المشاهدين، منها «مسدّسان» للايسلندي بالتسار كورماكور من بطولة دينزل واشنطن ومارك وولبيرغ الذي سيفتتح الدورة. في المقابل، وقع الخيار في تظاهرة «سينما الحاضر» على 16 شريطاً، منها 14 تحمل توقيع التجربة الأولى لصناعها في إشارة الى قدرة المهرجان على اكتشاف الأصوات الجديدة وتشجيعها، في حين ستركز عروض «أبواب مفتوحة» على النتاجات الآتية من القوقاز وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا.



تكريمات

تكرّم الدورة 66 من «مهرجان لوكارنو السينمائي» كل من المخرج الأميركي الراحل جورج كوكر عبر عرض مجمل أعماله، والألماني فيرنر فيرتزوغ، والبريطاني كريستوفر لي، والممثلة والمخرجة والكاتبة الدانمركية الفرنسية آنا كارينا، والممثلة الأميركية فاي دوناوي عبر عرض شريط «تشاينا تاون» لرومان بولانسكي وغيرهم