سأعود سبع سنوات إلى الوراء. في مثل هذه الأيام كانت إسرائيل ترفع من مستوى جنونها الدموي، وكان خصوم المقاومة في لبنان يتسمّرون أمام الشاشات، يأكلون أصابعهم بعدما قضموا أظفارهم. في مثل هذه الأيام، دخلت صبيّة غرفة نوم والدها. كانت قد اشترت قبل اندلاع الحرب قطعة ثياب من بيروت، لكن الحرب منعتها من العودة لأخذها. انتظرت عشرين يوماً حتى جاءها صديق بالثياب. لم تكن الصبيّة قلقة لأكثر من ذلك. كانت فرِحَة. دخلت غرفة والدها النائم. أيقظته وهي تقفز في مكانها وتقول له:
احزر ما الذي حصل؟
لم يتمالك نفسه فقال لها:
هل قتلوا نصر الله!؟
قالت: لا.
أضاف: هل وصلوا إلى نهر الليطاني!؟
أجابت مدهوشة: لا!
قال لها صارخاً: وماذا حصل؟
أجابت: لقد وصلتني الثياب من بيروت!
كتم غيظه وغطّى رأسه بوسادة ولعن مَن لعن!
أمس، عندما أطلّ السيّد حسن نصر الله على الجمهور مباشرة، كان سعيداً جداً بالمشهد. كان متشوّقاً للعودة إلى لقاء مباشر مع جمهوره، وكان مرافقه أبو علي خائفاً، يريده أن ينهي خطابه بأسرع وقت. والناس، الذين كانوا هناك، أو تسمّروا أمام الشاشات، كانوا فرحين، لكنهم كانوا قلقين، يريدون له أن يستمر حاضراً، لكنهم يخشون عليه. وعندما أنهى الخطاب، صبر كثيرون دقائق طويلة قبل أن يتنفّسوا الصعداء: الحمد لله، يبدو أنه عاد إلى مكتبه بسلام!
لمَن لم يفهم رسالة الظهور، عليه أن يقرأ أن الرجل عندما خرج سابقاً مع الناس دفاعاً عن الرسول، كان يؤكد حقيقة موقعه العقائدي الذي يدافع عنه بحياته. وعندما خرج في مسيرة عاشوراء، أراد التعبير عن شكل التصاقه بقضيته، وأنه حسيني لا يخشى اللحاق بجده. وأمس عندما اختار الظهور المطوّل، تحت عنوان فلسطين، فلأنه يريد القول إنها العنوان الأقرب إلى قلبه وعقله.
أمس، كان كثيرون في حالة غيظ من المشهد كلّه، من ظهوره المفاجئ، إلى خطابه الواضح الحاسم، إلى تجاهله كل الصغار وهذيانهم. كان مبتسماً، منفعلاً بسرور.
ابتسم يا سيّد، وليموتوا في غيظهم!

■ ■ ■


خليك محلّك!
أمس، أطلّ الرئيس سعد الحريري من السعودية، خاطب أنصاره وبقية الجمهور في لبنان بعد إفطار. قال وقال، وجال وصال، والفكرة الوحيدة أنه يرى خطراً في سلاح المقاومة، وأن هذا السلاح فاقد الشرعيّة والإجماع الوطني. وذكّرنا بأن فريقه يريد الحوار، وحريص على نبذ الفتنة، ويريد الدولة، ووو..!
الحريري أمس، لم يكن جاهزاً لقول أيّ شيء. ليس معنى ذلك أنه لا يريد مخاطبة ناسه، لكنه لا يملك ما يقوله جديداً. هو أعطانا علماً وخبراً بأنه لا يزال في حالة الانتظار. يترقّب مثل كثيرين ما تقرّره المملكة التكفيرية، وأنه موعود، مثل الآخرين، بأن تطورات سوف تحصل في سوريا، وأنه لا مجال لأيّ تسوية الآن في لبنان، وأنها مرحلة الوقت الضائع، وكل ما يقدر عليه هو إبقاء حالة الاشتباك، ولو بحدها الأدنى، نتيجة العجز لا الحكمة.
الخلاصة، أن الحريري أكد أنه غير جاهز لشيء. لذلك، من الأفضل له ولنا أن يبقى مكانه... عسى أن يوفّر دخلاً إضافياً يساعد قسماً من اللبنانيين على مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة.
أما جمهوره، فسوف يلتقي مجدداً على موائد إفطارات أو سحور، وسوف نعود إلى الأسطوانة نفسها. أركانه يشرحون ويبرّرون، لكن الجمهور ينسحب خلسة، لينضمّ إلى مَن يعتقدون أنه الأكثر فعالية... إنها «النصرة» في استقبالهم!

■ ■ ■



ارحل الآن!
غضب ميشال سليمان من نقد خطابه في عيد الجيش. التوتّر الذي لفّ مكتبه أمس، ما كان يخفي رغبة عميقة لديه في الصراخ. تمنّى لو أنه قائد يقدر على تحريك مجموعات تقمع أي صوت منتقد، وتأتيه بالمصفّقين.
غضب ميشال سليمان، لأنه سمع انتقادات عادية، بل أقل من اللازم، لمواقف تشرح لنا همس الدبلوماسيين عن عروضه بالمزيد إنْ حظيَ بوعد البقاء في منصبه. وخطابه عكس قلّة الحكمة وقلّة الدراية. كأنه محمد مرسي في خطاب استاد القاهرة، عندما تشوّق إلى بذلة القيادي الإخواني، ناسياً أنه الرئيس!
غضب ميشال سليمان لأنه فقد التركيز وهو يحتال على الكلمات لأجل قول موقف لا يعبّر عن موقعه... وأن يتّخذ جانب طرف سياسي، معتقداً أن فريق 14 آذار، ومن خلفه العرب والغرب، سوف يوفّرون له الغطاء كي يمدّد إقامته في القصر.
غضب ساكن بعبدا، لأنه لم يكن يقدّر أن موقفاً كالذي أطلقه بشأن المقاومة يعكس خفّة وسذاجة سياسية، في حالة حُسْن الظن، ويعكس ما هو أخطر في حالة سوء الظن. غضب الرئيس لأن هناك مَن صار يطالبه علناً بالرحيل!
الحق يقال، هو أن يطلب الرئيس من حلفائه ومن خصومه الإعداد لاستفتاء غير رسمي، استفتاء حقيقي، علمي، يشارك فيه اللبنانيون للتصويت بنعم أو لا، على سؤال عن بقائه في منصبه.
غضب الرئيس، لأنه يعرف أن تأييد سمير جعجع له لا يزيده قوة، ولأنه يعرف أن بهلوانيات وليد جنبلاط لا تدفع أحداً إلى تصديق أكذوبة الوسطية. وغضب أكثر لأنه يعرف أن مسيرة المقاومة سبق أن عبرت وسقط على ضفافها مَن هم أكثر خبثاً ولؤماً إنْ لم نقل أكثر...
فخامة الرئيس: إرحل الآن!