لم يكن الراحل وسام الحسن عضواً سرياً في حزب الله، بل ظل حتى اللحظة الاخيرة مساعداً رئيساً لسعد الحريري، وعضواً فاعلاً في مجموعة التعاون الأمنية الداعمة لمعارضي النظام في سوريا. وفي عهده وبإشرافه تم إعداد كل المواد التي استند إليها قرار الاتهام لمقاومين باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهو كان وراء «فخ» ميشال سماحة، إضافة الى عشرات الملفات التي لا تناسب فريق المقاومة وحلفائها. لكن وسام الحسن كان يعرف كيف يدير اللعبة. يعرف أنه في مكان ما، هو رئيس لجهاز أمني رسمي. صحيح أنه لم يكن يتّكل على رئيسه المباشر ولا على رئيسه السياسي ولا على السلطة كلها، إلا أنه كان يعرف كيف يرتب ملفاته بطريقة لا تضبطه متلبساً بالولاء لجهات سياسية. وهو لذلك لم يكن يعترض على قيام جهازه بأعمال أمنية تخص المواطنين في البلاد. وكان كثيرون يلجأون إليه لمعالجة جرائم جنائية أو حتى جنح، وكان يساعد أجهزة التحقيق في أمور كثيرة. حتى في ما خصّ المقاومة، عمد الى إبلاغ حزب الله أن جهازه يشتبه في أن يكون بعض عناصر الحزب على علاقة بالاستخبارات الإسرائيلية.
مات وسام الحسن. رفض سعد الحريري إعادة سمير شحادة الى موقعه خلفاً للحسن، وأصرّ على تولّي عماد عثمان المهمة. لم تكن الخطة تشمل خروجاً مبكراً لأشرف ريفي من قيادة قوى الامن الداخلي، لكن واقع الامور لا يشير الى مجيء وزير للداخلية أو مدير عام لقوى الامن الداخلي من الصنف الذي يسحب فرع المعلومات من دويلة سعد الحريري الى دولة لبنان. وهذا ما جعل عثمان يخوض التجربة بخلفية تثبيت الولاء لفريق «المستقبل». وهو منذ وصوله الى منصبه يفعل كل ما هو عكس ما كان يفعله وسام الحسن، علماً بأن عثمان ليس لديه خبرة سياسية أو حتى أمنية من النوع الذي تجعله في موقع مؤثر كالذي احتله الحسن في سنوات قليلة. ومع ذلك، فإن عثمان وجد أنه لا يقدر على التزام أجندة الدولة الرسمية وأجندة تياره السياسي، فاختار أن يكون واضحاً ومباشراً وشفافاً: أنا الذراع الأمنية لفريق 14 آذار، وولائي لمن أتى بي الى هذا الموقع، وهو سعد الحريري.
ما الذي يستدعي هذا الكلام؟
النشاط الذي دبّ في جسد فرع المعلومات خلال الأيام القليلة الماضية أثمر نتائج في تحديد ما قال إنه هوية خاطفي الطيارين التركيين. وبدل أن يكون المشرف على الجهاز حذقاً بأن يسرب المعلومة الى إعلاميين أو وسائل بعيدة ولو بعض الشيء عن الفريق اللصيق به، أبى إلا أن يثبت ولاءه على كل الصعد، فقرر تخصيص جريدة «المستقبل» بمعلوماته الخاصة جداً، وكشف الفرع أنه يقدر على القيام بخطوات عملانية سريعة ومثمرة كما هي الحال في ملف المختطفين التركيين.
لكن هذا الفرع قرر أخذ إجازة مفتوحة من مهمة ملاحقي الذين يخططون ويعدّون وينفذون التفجيرات وإطلاق الصواريخ على الضاحية الجنوبية وبعلبك والهرمل وطريق مجدل عنجر. وهو لم يقم بأي خطوة، ولم يضبط أي اتصالات هاتفية قبل الاعمال الإرهابية هذه وبعدها، وهو تذرع بأن الضاحية الجنوبية ممنوعة على عناصره، وهو الذي ينشر فيها شبكات كثيرة، بينما كان في منتهى النشاط في ملاحقة من اتهمهم بالوقوف وراء خطف التركيين، علماً بأنهما موجودان، بحسب ما يقول الفرع، في الضاحية الجنوبية.
فرع المعلومات ليس لديه ما يقدمه في ملف أحداث عبرا غير تزويد سياسيي 14 آذار بما جمعه من أدلة تثبت تورط حزب الله في المعركة الى جانب الجيش. وهو لا يقدم أي معلومات ذات قمية جدية تخص بقية هذا الملف، ومتابعة المطلوبين من القضاء بتهمة قتل عناصر الجيش اللبناني.
وفرع المعلومات الذي يقدر على مطاردة حتى الحدود الجنوبية للبنان، أو على السواتر الترابية الفاصلة بين لبنان وسوريا، وجد أنه لا يملك معلومات كافية تفيد من يهمه الأمر في مسألة المجموعات السورية المسلحة التي تنطلق الى سوريا من لبنان، ومن خلال قرى وبلدات ومناطق تخضع لنفوذ تيار «المستقبل» الذي يتبع له فرع المعلومات.
فرع المعلومات اليوم يحسم الجدل حول هويته كجهاز يعمل وفق أجندة فريق سياسي. هو يلاحق الجرائم وفق هوية المجرم أو الضحية، لا وفق المعايير التي تفرض عليه ملاحقة الجريمة بمعزل عن ضحيتها أو مرتكبها. هو فريق يهتم بكل ما يضرّ المقاومة وجمهور المقاومة، وهو يستنفر كل طاقاته، من الاستعلام البشري والتقني وغير ذلك من آليات العمل، لأجل الإضرار بالمقاومة وجمهورها، بما في ذلك تلك المعلومات المفصلة التي تصل فجأة الى أجهزة استخبارات عربية تقوم بطرد لبنانيين من أراضيها على خلفية علاقة لهم مباشرة أو غير مباشرة مع حزب الله.
مشكلة فرع المعلومات اليوم لم تعد محصورة في جدول أعماله الخاص بملاحقة خصوم فريقه السياسي، بل هو تقدم خطوة أكبر نحو تهشيم إضافي لصورة الدولة، من خلال التنازل عن حق الناس في معرفة من يخرب عليهم أمنهم، وهو اليوم لا يتوقف عن تقديم أوراق الاعتماد لأكثر من جهة، لبنانية وغير لبنانية، وليس من بينها على الإطلاق مصلحة الشعب اللبناني!