عمان | الـ«يوتيوب» نافذة على حروبنا الصغيرة. هنا في عمّان، تستطيع أن تشاهد فيديو عن أحداث العنف في معان (جنوب الأردن)، وتفجير «كنيسة القديسين» في الإسكندرية، ومقاطع من مشاجرة عشائريّة في الجامعة الأردنيّة، وتخطر في بالك «انتفاضة تونس».هكذا يبدو العالم بعيداً ومتخيلاً. لكنّ ثلاثة شباب من فرقة الراب «ترابيّة» سيقفون على خشبة مسرح «دارة الفنون»، ليذكّرونا بأن هذه الأحداث حقيقيّة تجري من حولنا، بل نكاد نصاب بها. مخترقين كل الخطوط الحمر، نقل أعضاء «ترابيّة» المشهد المحلي والعربي من منطقة معتمة، حيث يسكنون في «جبل النصر» في عمّان الشرقيّة. دخلوا مباشرة في صلب الهموم المحليّة والقوميّة من الغلاء والبطالة وإهمال عمّان الشرقيّة، إلى التشكيك الوجودي بأن الأمور خرجت عن سيطرة الجميع: «فش عندي مقدرة لاستيعاب إنه اللي بالسما متحكّم بقدري». لكن المفاجئ خطّ «ترابيّة» السياسيّ. الفرقة التي تأسست سنة 2009، تحمل طابعاً قوميّاً عروبيّاً. يمكن ملاحظة ذلك في إقحام مقدّمات أو لازمات أغاني الشيخ إمام وحتى سيّد مكّاوي في أغانيهم.
بهذه التوليفة، استطاعت الفرقة الشابة أن تصدم الحضور براديكاليّتها ومواقفها الجذريّة من مختلف القضايا. لكن قد تنبع هذه الراديكاليّة من رومانسيّة سياسيّ، كما يرى بعض منتقدي الحفلة. الموسيقيّ طارق أبو كويك يرى أن مستقبل الفرقة سيتغيّر عندما يكبر أعضاؤها الذين تراوح أعمارهم بين 18 و22.
أصغرهم، أحمد شحادة، شاب لطيف يرتدي نظارات طبيّة ويلّقب بـ«كاز»، توقّف مع الآخرين عن الغناء عند تردّد صوت الأذان في المساحة المفتوحة في «دارة الفنون»، بينما كان يغني لازمته في أغنية «بدل وطن»: «يا الله بعرف هاد قدري، وهيك عندك مكتوب، وآخر كلام مني إني عمري حقي ما رح يكون مسلوب». وفجأة قال: «أنا مؤمن بأنه موجود، لكن لي الحق بالتساؤل». أما آرام ديمرجيان، فيخاطب الفاتيكان: «من عمّان للفاتيكان، كنا مش سامعين صوتكو أيام النازية». وسبيرو ريمون (رصاصة) ينتقد الفن التجاري والإعلام المضلّل، وسائد مسنّات (فوينيك) يحمّل الألحان صبغة ثوريّة رومانسيّة. الصدمة وصلت إلى مسؤولي «دارة الفنون». أوقف أحدهم الحفلة بإشارة من يده كأيّ رجل أمن لأن «الدارة لا تتفق مع كل ما غُنّي».
الفرقة التي يصرّ أعضاؤها على تسميتها «المشروع»، ينتظر منها الكثير، وخصوصاً أنّ عرّابها فراس شحادة ينشط في الفعاليات الثقافيّة، ويضيف عمقاً بصريّاً إلى عروض الفرقة عبر أعماله في الفيديو آرت.
هل ستنجح «ترابيّة» في مواصلة ما تفعله، ضمن إطار خصوصيّتها الموسيقيّة بعيداً عن الاستنساخ الذي يشوب بعض أغانيها؟ المؤكّد أن عليها مقاومة إغراءات التدجين التي تقدّمها المؤسسة، سواء من خلال ما ابتدعته «دارة الفنون» في الحفلة، أو عبر الشروط التي ستفرض على الفرقة، كلما ازداد الطلب عليها في المستقبل.